هالتني تلك الدعايات والاعلانات البراقة والتي ملأت الصحف والمجلات عن إمكانية شراء سيارة أو استبدالها بجديدة دون كفيلٍ أو صديق أو حتى نقود..
ظننت من شدّة فرحي أن تلك الشركات قد حلّ بها كرمٌ أو جنون قد أصابها..
أعدت النظر كثيراً .. وبدأت الفكرة تدور في رأسي الفارغ بعد انتهاء الاختبارات وقدوم إجازة الصيف الطويلة..
وأيضاً بعد تبخّر الماء الدائم من رأسي الكبيرة التي لا تغطّيها أي ( طاقية )..
شربت كأس ماءٍ أعوّض به عن الرطوبة التي تحدثها ( صلعتي ) في الجو.. وبدأت أفكّر جدّياً..
استرخيت على كرسي وثير.. وبدأت بالبحث عن مقّدمة للموضوع لأفاتح زوجتي بها..أغمضت عيني جيّداً سارحاً بخيالي لما أفكّر فيه.
هي مع هذا فإنها ( لن ترد لي طلباً ) فالطلبات أوامر.. وشهر العسل لمّا ينقضي بعد..
أولاً : السيارة التي معي كالعجوز المتبرّجة.. تسلب لبّك من بعيد وتفاجئك بحقيقتها عندما تقترب منها..
ثانياً : لا زال لديّ شيئاً مما أدخرته من مصاريف الزواج.. وسيساعدني هذا بلاشك..
ثالثاً : توكلت على الله..
توجّهت إلى الشركة صاحبة الإعلان.. وأعلمتهم أنني متابع جيّد لكل العروض التي يعرضونها..
بل حتى أن الإعجاب يبهرني عندما أقرأ اسم شركتهم في أي إعلان هنا و هناك..
رحّبوا بي ترحيباً ظننت أنهم سيستبدلوني بدلاً من سيارتي.. وأعلمتهم أني املك تلك السيارة التي أمام المدخل.. وأنني أريد استبدالها..
صحبني أحدهم وأعطاني سعراً غير مرضٍ لسيارتي.. لكنهم وعدوني ان هذا الخصم سيطال السيارة التي سأشتريها منهم..
كانت السيارة التي اخترتها سيارة رياضية حمراء صغيرة.. تتسع لي ولزوجتي فقط, وذات لون بهيج تسرّ الناظرين..
وأن الشركة المنتجة لها لم تصنع كميات كبيرة حتى يشعر مقتنوها أنهم هم المتميزون دون غيرهم ( هكذا يقولون )..
احترت كثيراً في اتخاذ قراري بشراء تلك السيارة, إلا أن الموظف أعطاني ( هزّة ) على كتفي يذكرني أنها مناسبة للمتزوجين حديثاً..
ولعلّ ( هزته ) حرّكت مشاعراً دفينة لا أعلمها فجعلتني أوافق على شرائها..
أروع ما في السيارة أنها صغيرة بحيث تجد لها موقفاً أياّ كان.. بل بونها ( الأحمر ) الذي ينشر الدفء والحنين والمسالمة وحبّ الشعوب والصداقة بين الأمم والسلام بين الحضارات ..
ومع هذا.. فإنني كنت أقود سيارتي الأولى ولم يحدث لي أي احتكاك أو صدامات مع السيارات.. رغم أن السيارات في الشوارع تبدو أحياناً وكأن سائقيها من المجانين..
ولكنّ الله سلّم ولم يحدث شيئ.. وماكان ذلك يقلقني.. لأنها قديمة. غير أن الأمر يختلف مع ( مذهلة ) ..
هكذا أسميتها.. ولن أسمح لكائن من كان أن يخدشها..
لعلّكم لاحظتم أن عنوان هذه القصّة هو ( سالم والمذهلة ).. وقد يحتاج هذا إلى توضيح..
فقد كان لي زميل يدرس معي في المدرسة الابتدائية اسمه ( سالم موفّق ) وخلال الست سنوات التي قضيناها معاً في الدراسة تعرّض ( سالم )
لأكثر من سبعمائة ضربة من الطلبة بالأيدي والأرجل والعصي وأشياء أخرى..
والعجيب أنه لا يحبّ المضاربة والعراك, وكان لطيفاً نظيف المظهر واسمه ( سالم ) من السلم والمسالمة..
ولكن هناك شيئ ما في شكله أو مظهره أو أسلوبه في الكلام يجعل كل من حوله توّاقاً للبطش به واشباعه ضرباً وركلاً – لا أدري لماذا ؟ –
ولكنه فعلاً ( مغناطيس ) للمشاكل والمتاعب التي كانت تنجذب إليه انجذاباً أينما حلّ..
في الصباح الباكر.. قمت بغسل سيارتي وتلميعها.. حتى الإطارات نالت مزيداً من التلميع والاهتمام..
ركبت معي زوجتي.. وتوجهنا للسوق الكبير ذو المواقف الواسعة والكثيرة.. وكان اتفاقي معها : أن تخرج هي للتسوق
وأنا أمكث على متن ( مذهلة ) لأحميها من بطش السيارات المجاورة وإيذائها.. ومالبث أن خرجت عائلة كريمة مكوّنة من أب وأم وابن لهما غلام يافع شاء أن يساعد والديه بدفع عربة التسوّق المليئة بمشترواتهم..
وقد كان يلعب بها كأنها سيارة..وضحكت لحاله وكيف يعبّر عن مشاعره..
اقترب من الرصيف ووجب عليه أن ينزل ( عربة التسوق ) إلى الشارع.. إلا أنه ولخلل في جهازه العصبي على ما أظن
فقد اضطربت حركته وفقد السيطرة على سيارته.. أقصد ( عربة التسوق ).. فاتجهت مسرعة من أمام السيارات الواقفة..
واتجهت نحوي متسارعة في وقت كنت أحاول فيه فكّ حزام الأمان ثم فتح الباب حتى أخرج وأوقفها..
اصطدمت العربة بباب سيارتي.. وخرج نصف ما فيها.. وجاء أهله يعتذرون ويحملون ما بقي من طبق البيض.. الذي تناثر على سيارتي..
خرجت زوجتي لتتفاجأ بالألوان ( المزركشة ) التي تركها طبق البيض على سيارتي..
– ما بك يا قلبي ؟
– قلبي على الخدوش العميقة التي أحدثتها عربة التسوق على باب السيارة..
– لا تهمّني السيارة بقدر ما تهمّني سلامتك يا حبيبي..
بلعت الموقف مع غصّة.. وقبلت عزائها لي في باب السيارة..
واتجهت فيما بعد إلى الورشة التابعة لوكالة السيارة, وأكّد لي مديرها أن الباب سيتمّ دهانه بالكامل هذا الأسبوع..
وسيكون جديداً كأن لم يصبه شيئ.. وأن رئيس قسم الدهان ( لايوجد غير رجل واحد فيه ) – هادئ الطيب – هو خير من يقوم بهذه المهمّة على الوجه الأكمل..
بل ويحفظ لسيارتي ( مذهلة ) بهائها ورونقها..
( هادئ الطيب ) هذا كان رجلاً قصير القامّة وشديد الاعتزاز بنفسه و ( شنبه ), ويضع نظارة على أرنبة أنفه, قد حجز سيارتي عنده ستة أيام كاملة..
وفي تمام أسبوع عليها رأيت ( مذهلة )..
كاد أن يُغمى عليّ من بشاعة البقعة الداكنة التي تركها ( هادئ الطيب ) على باب السيارة .. وصحت بأعلى صوتي :
( ليتني سمعت كلام زوجتي وعالجتها بطلاء الأظافر الأحمر لكان المنظر أحسن من هذا ) ..
غضب ( هادئ ) وارتعشت نظارته.. وأحس أن كبرياؤه قد بدأ بالانهيار.. فأمسك بشنبه وبدأ يفتله.. ثم بدأ يتمتم بكلام..
وأنه قد بذل جُهداً عظيماً في هذه السيارة ولكن لايُقدّره أحد.. [ كمن يعزف على العود بأعذب الألحان أمام بعير ]..
المهم أنني قلت له : ( أنا لست بعيراً ).. فذهب مباشرة إلى مكتب مدير الورشة.. ولعلّه يريد تقديم استقالته..
فطيّب مدير الورشة خاطره وهدّأ أعصاب ( هادئ ) وأعفاه من العمل بقيّة اليوم ليرتاح في بيته..
وعندما ذهب أخذت أنا والمدير علبةً فيها ( محلول ) .. دلكنا به الباب حتى صار شكله مقبولاً..
ومرّ أسبوع كامل قبل أن يصيب ( مذهلة ) حادث آخر.. في هذه المرّة كانت السيارة تسير الهوينا في الشارع..
حينما تعدّى الإشارة سيارة ( وانيت ) يقودها رجل متقدّم في العمر ملأ سيارته بالخراف, فارتطم بشدّة بالباب الآخر لسيارتي
و أحدث ( كهفاً ) غائراً فيه..تحطّم على أثره زجاج النافذة وتناثرت أشلاؤه – أعني ( أجدزاؤه ) – على الشارع, وتطايرت الخراف
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#8244#post53534
من السيارة تتواثب في كل اتجاه.. توقّفت حركة السير تماماً في الشارع.. واتكأت بكلّ حسرة في شكلٍ موحٍ على مقود السيارة..
وخرج الناس من سيارتهم مسرعين ففرحت أن هناك من قدم لنجدتي..ولكنّهم خرجوا خلف ( الخراف ) لمساعدة الرجل العجوز..
نزلت من السيارة وحاولت فتح الباب المصاب.. فأحدث قرقعة عالية وتناثرت قطع الزجاج.. ونظرت إليه وأحسست أن ( نحس سالم )
قد بدأ يصيب ( مذهلة ).. قم أقبل العجوز إليّ ويتمتم بكلماتٍ فيما أرقب فمه الخالي من الأسنان لعلّي أفهم شيئاً مما يقوله لي..
بدأت الخراف تستعجله بالثغاء من أجل الذهاب, فذهب بها إلى ( صالة الأفراح ) لإعدادها للعشاء..
عجبي أنه كان يقول أنه : ( لم ير سيارتي ).. !! – كيف ذلك وهي ذات اللون البرّاق, حتى ( الثيران ) تعرفه..
مكثت قرابة الاسبوعين في الورشة انتظاراً لوصول باباً جديداً بدلاً من المحطّم..
وعندما ركّب ( هادئ الطيب ) الباب الجديد اتضح لنا وجود فُرجة بين الباب وجانب السيارة..
وأعلن ( هادئ ) أن هناك خطأ في تصميم الباب وليس في عمله.. مقترحاً بدوره استبداله بباب آخر من الشركة المصنّعة..
وهذا هو الحلّ الوحيد في رأيه.. بالطبع لم أوافق على اقتراحه وقبلت السيارة على حالها..
وعند الظهيرة حينما غادر إلى تناول غدائه.. ذهب مدير الشركة ومعه ( مفك ) عالج به مفصلات الباب حتى عاد إلى وضعه الأصلي واختفت الفُرجة..
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#showthread.php?p=53534
رجعت إلى المنزل بعد أن حُرمت من التمتّع بهذه السيارة طوال فترة شهر العسل..
واستلقيت على الكرسي أُعيد فتح تلك المجلات والصحف وأطالع الدعايات والإعلانات و العروض المغرية..
وبحثت عن حلّ يُزيل نحس سالم عن حبيبتي ( مُذهلة )..
قطع علي التفكير صوت دهس وتحطّم لشيئ.. فتحت النافذة بسرعة لأرى (شاحنة تجميع النفايات) قد حانت لها الاستراحة على مقدّمة ( مذهلة )..
نزلت بأسرع ما يمكنني, وانطلق لساني على السائق بأبشع الكلمات وأشنع الألفاظ..وهو يشير لي بيده أنه لم ير سيارتي في هذا الظلام.. وأن هناك ( تأمين ) سيغطي تكاليف إصلاحها ..
زوجتي هناك في الأعلى ترقب الموقف من النافذة..لا أعلم ماذا حصل لي عندما رأيتها ترقبني وأنا أتهجّم عليه..
فهدّدته بالنزول والتفاهم معه.. وكان في نيّتي أن ألقّنه درساً يجعله أن لا يفكر بالرجوع للخلف أبداً..
حاول أن تكون الأمور أكثر رويّة مما هي عليه.. لكنني ظللت أنفخ على الجمر حتى نزل..
فلمّا مثل أمامي .. ماكان لي سوى أن أرفع رأسي لطول ( هامته ), فأمسكني بتلابيبي ورفعني للأعلى..
تفصّد العرق من جبيني أغمضت عيني وأنا أنتظر الضربة القاضية منه أمام زوجتي..
مسح العرق من جبيني في حركة لم أعهدها.. وقام صاحبه بالرجوع خلفاً نحو سيارتي .. وأنا أصيح ( مذهلة.. مذهلة )..
– شكراً حبيبي ..
فتحت عيني, وتفاجأت بزوجتي تنظر إلي مستفهمة عن الصحف والمجلات التي سقطت حولي وأنا أقرأها
– على ماذا تشكريني ؟
– على قولك لي وأنا أمسح عرقك بـ ( مذهلة )..
:j
أممممممم.. لقد استغرقت في الحلم طويـــلاً ..
– ( مذهلة ).. أنت يا زوجتي و يا حبيبتي ( مذهلة )..
