الخطبة الأولى :
الحمد اللَّهِ الذي سبحت الكائنات بحمده ، وعنت الوجوه لعظمته ومجده ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه
أيها الإخوة المؤمنون ؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
نعم أنت يا أخي على ثُغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك , والثغرة موطن الضعف
من الحدود ، أو الثُلمة في الشيء ، أو الفتحة في الثوب , فإياك يا أخي
أن تكونَ أنت سبباً في الإساءة إلى الإسلام والمسلمين .
لأنه مطبق في الحياة اليومية ، مجسدٌ في سلوك المسلمين .
والناس أيها الإخوة ؛ لا يتعلمون بآذانهم ، بل بعيونهم ، ولا تنسوا أن الإسلام قد انتشر
في جنوبي آسيا وشرقها ، وفي غرب أفريقيا وشمالها ، عن طريق المعاملة الحسنة والسلوك
القويم ، فالتجار المسلمون ضربوا لهذه الشعوب مثلاً أعلى
في النزاهة والاستقامة والأمانة .
والناس أيها الإخوة ؛ لا ينفرهم من الدين أو الإسلام شيء مثلُ أن يروا المسلم يكثر من
الصلاة والصيام ، والأدعية والأوراد , ويسيء إلى الناس في معاملته
، وبيعه , وشرائه ، ودَينه وقضائه .
أخي المسلم ؛ أنت حينما تسيء , لا سمح الله , إلى الناس لا تسيء إلى نفسك فحسب
بل إلى الإسلام والمسلمين , والناس يرون من أهل الكفر والفجور ما لا يحتمل من الإساءة
والانحراف والغواية ، مع ذلك لا يكترثون ، وحينما يُسيء إليهم المسلم إساءة طفيفة
عن غير قصد منه يقومون ويقعدون ، ويدعون بالويل والثبور ، وينددون بجميع المسلمين
بل إن بعضهم ليصل في تنديده إلى الدين نفسه ، لا حول ولا قوة إلا بالله .
أيها الإخوة ؛ سلوك المؤمن وتصرفاته موضوعٌ تحت عدسات مكبِّرة ، والأضواء
مسلطة على حركاته ، وسكناته ، ولا يحلو للناس شيء كتفحص سلوك ,
ومراقبة أعماله ، ومحاسبته على كل صغيرة وكبيرة .
ينشأ الشاب على اللهو والفجور وارتكاب عظائم الأمور ، فترى الناس راضين عنه ، متسامحين
معه , ملتمسين له الأعذار ، مقدرين ظروفه ، وحاجاته ، فما إن يهد الله قلبه للإسلام ، ويعزم
على الاستقامة ، ويريد لدينه السلامة ، ولقلبه الطهارة ، ولإيمانه الحصانة ، حتى يُفند الناس
سلوكه ، ويُحصون عليه أنفاسه ، ويعزون كل تقصير منه إلى تدينه , وكل هفوة منه إلى إسلامه ،
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#227482#post2069451
ولا يفتأون يرددون ، أهكذا المسلم ، أهكذا المؤمن ، لا حول ولا قوة إلا بالله .
أيها الإخوة ؛ ليس في ذلك غرابة ، لأن المؤمن مظنة الصلاح والفلاح ، وهو لا يمثل
شخصه ولا عشيرته ، ولكن يمثل دين الله الذي ارتضاه ، لعباده ويمثل نبيه عليه الصلاة والسلام ،
الذي كان مثلاً أعلى في الخلق الكريم .
فهل تحب يا أخي أن تسيء إلى دينك وإسلامك وإلى نبيك وأصحابه ؟
إذا كنت لا تحب ذلك فتذكر قول نبيك الكريم :
وكان سيدنا عمر إذا سنَّ قانوناً أو حظر أمراً جمع أهله أولاً وقال لهم :
فإن وقعتم وقعوا ، وإن هبتم هابوا ، وإني والله لا أوتي برجل منكم وقع فيما نهيت الناس عنه
إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني ، فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء فليتأخر ))
هكذا كان عمر يحبب الناس بالإسلام عن طريق تطبيقه ، على نفسه أولاً وعلى من يلوذ به ثانياً .
(( كيف يعنيني شأن الناس إذا لم يصبني ما يصيبهم ))
وفي عام الرفادة ، أمر عمر بنحر جزور ، وتوزيع لحمه ، وقام المختصون بإنجاز المهمة ،
بيد أنهم استبقوا لأمير المؤمنين أطيب أجزاء الذبيحة ، وعند الغداء وجد عمر أمامه على المائدة
سنام جزور ، وكبده وهما أطيب ما فيه ، فقال : من أين هذا ؟
قيل : من الجزور الذي ذُبح اليوم ، فقال : وهو يزيح المائدة بيده الأمينة :
(( بخٍ بخٍ بئس الوالي أنا إن طعمت طيبها ، وتركت للناس كراديسها ، يعني عظامها
، ثم قال : ارفعوا هذه الجفنة ، وائتوني بخبز وزيت ))
ويخرج عمر إلى السوق يوماً في جولة ، فيرى إبلاً سماناً ، تمتاز عن بقية
الإبل بنموها ، وامتلائها , فيسأل : إبل من هذه ؟ .
قالوا : إبلُ عبد الله بن عمر ، وانتفض أمير المؤمنين ، كأنما القيامة قامت ، وقال :
عبد الله بن عمر , بخٍ بخٍ ، يا بن أمير المؤمنين وأرسل في طلبه من فوره ، وأقبل عبد الله يسعى
، وحين وقف بين يدي والده قال لابنه : ما هذه الإبل يا عبد الله ؟
فأجاب : إنها إبل أنضاء ( أي هزيلة ) اشتريتها بمالي ، وبعثت بها إلى الحمى
( أي المرعى ) أتاجر فيها , وأبتغي ما يبتغي المسلمون .
فعقب عمر قائلاً : ويقول الناس حين يرونها ؛ ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين , اسقوا
إبل ابن أمير المؤمنين ، وهكذا تسمن إبلك ويزداد ربحك يا بن أمير المؤمنين ، ثم صاح به ,
يا عبد الله بن عمر ، خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الإبل ،
واجعل الربح في مال المسلمين .
وحين زار الشام جيء له بطعام طيب مختلفٍ ألوانه ، وبدلاً من
أن يقبلُ عليه ، وينعم بمذاقه ، بكى وقال :
(( كلُّ هذا لنا ، وقد مات إخواننا فقراء لا يشبعون من خبز الشعير ))
رضي الله عنك وأرضاك يا سيدنا عمر ، فقد كنت أرحم هذه الأمة بهذه الأمة .
وأنت يا أخي المؤمن ؛ تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( أنت على ثُغرة من ثغر الإسلام فلا يُؤتين من قبلك ))
فحينما يسيء المسلم إلى الناس ، لا يسيء إلى نفسه ، ولا يسيء لهدم الدين من حيث لا يشعر ،
ولا يريد , لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها ، والمحبة
والبغضاء يعدان كالمرض قال عليه الصلاة والسلام مخاطباً سلمان الفارسي :
عَنْ سَلْمَانَ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَا سَلْمَانُ لا تَبْغَضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَبْغَضُكَ وَبِكَ هَدَانَا اللَّهُ
قَالَ تَبْغَضُ الْعَرَبَ فَتَبْغَضُنِي قَالَ أَبمو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ
حَدِيثِ أَبِي بَدْرٍ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ و سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَعِيلَ يَقُولُ أَبُو
ظَبْيَانَ لَمْ يُدْرِكْ سَلْمَانَ مَاتَ سَلْمَانُ قَبْلَ عَلِيٍّ ))
[ أخرجه الترمذي وأحمد ]
أو كما قال .
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#showthread.php?p=2069451
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين
ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا
، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز
من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك
لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى
عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض
عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى
بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ،
وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .