استطاع مؤلف كتاب "لسان حضارة القرآن" الدكتور محمد الأوراغي هدم نظرية اللسانيات التوليفية للأميركي الشهير "ناعوم تشومسكي".
و لا يملّ الأوراغي من التأكيد في كل مناسبة أن اللغة والفكر والحضارة أوجه متعددة لشيء واحد، وفي هذا الكتاب براهين وبينات على ذلك مشفعة بالدعوة إلى "إقامة نماذج بديلة في شتى مناحي الحياة العصرية، نماذج قطاعية مستقبلية، تتخذ من اللغة العربية وثقافتها قاعدة لتأسيس أنساق إجرائية، من شأن العمل بها أن تطور البشرية في الاتجاه الصحيح الذي يخلو أو يكاد من استعلاء بعض الناس على الباقي وتجبر القوي على الضعيف، ومن إفساد الأرض بالتدمير الممنهج لأسباب الحياة عليها".
وركز الأوراغي في هذا العمل على العربية وعلومها اللسانية بصفتها لغة حضارة القرآن، وتحديد موقعها في مجتمع اللغات، ومكانة ديوانها الثقافي ودوره في المحافظة على وتيرة التنمية البشرية والارتقاء بها إلى مستوى الإنسانية.
وكيف يمكن أن نجعل من المعرفة اللغوية للعربية أداة منهجية لدراسة الخطاب الشرعي دراسة علمية دقيقة، وكيف تمكنت اللغة العربية بثقافتها الإسلامية من أن تتعايش على مر العصور مع لغات الأمصار في البلدان الإسلامية المختلفة على كثرة لغاتها المحلية واختلاف ثقافتها الأصلية.
العربية وبناء حضارة إنسانية
بأسلوب رفيع المستوى، وبالغ الحجة، لا يترك مجالا للشك والتردد، يؤكد الأوراغي أن اللغة من أهم العناصر، إن لم تكن أرقاها، في بناء الحضارات، "فاللغة لا تأسر أهلها بنسق قواعدها فقط، بل تقيدهم أيضا بحملها الثقافي، إذ اللغات البشرية عبارة عن حدود ثقافية ؛ وهي في ذلك كالحدود الجغرافية والسياسية التي تعزل الأوطان، وتغلق على الأقوام". ثم يضيف الخبير اللغوي العالمي أن اللغة تطوق أهلها بقيدين اثنين، قيد نسقي يتعلق بقواعد التفكير والتعبير، وقيد ثقافي يخص قيم التمدين والتطوير.
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#155953#post1950428
والعربية انفردت بوظيفة التواصل الرباني فتأهلت من بين لغات العالم لأنها تنمي في الفرد توازنه النفسي الوسطي، وهي لغة التواصل الحضاري لأنها صارت تتبع الإسلام أينما حل وارتحل، وبها دوّن المسلمون حضارة القرآن، أعظم حضارة في عصرها، وينبغي أن تكون منطلق الإنسان المعاصر في بناء حضارته الحالية.
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#showthread.php?p=1950428
اللسانيون الثلاثة والعربية
يميز الكاتب، وهو الغارق في اللسانيات حتى النخاع، بين ثلاثة أصناف من اللسانيين في علاقتهم باللغة العربية في هذا الزمان:
الأول هو اللساني الوفي لنفسه المنسلخ عن هويته الموروثة أو يكاد، المسخر لخدمة المناهضين للغة القرآن ومعاداة المنتصرين لها، ينتمي لفئة من المستعربة الذين ورثوا الاستشراق القديم، يكثرون من الكلام في وسائل الإعلام لإقناع خالي الذهن من ذوي ******* السطحية لتكثير الأنصار لهذا التيار.
والثاني هو اللساني الباحث عن مكاسبه الذاتية ، الذي لا ي*** للعربية نفعاً، ولا يدفع عنها ضراً، همه الألقاب العلمية والمناصب الإدارية، يتهافت للانخراط في آخر الصيحات العلمية ولو بألفاظ عامية.
وأما الثالث فهو اللساني الذي يصدق العربية، إن أصابه خير من وراء ذلك حمده، إذا حدث عن العربية قال حقاً أو توقف حتى يظهر الحق ، وإذا اتخذ من أوصاف اللسانيين للغة العربية موضوعاً للنظر أعد له العدة المعرفية اللازمة لفرز صوابهم الذي ينبغي الاحتفاظ به من خطأهم الذي يجب تصويبه؛ سيماهم الحرص الشديد على تطوير معرفة الناس بلغاتهم، ورفض التقليد للدرس اللغوي الغربي، ماضون نحو أفق جديد لإحداث ثورة علمية في حقل اللسانيات، ثورة يتبعها تطور ملموس في انتقال معرفة الناس بلغاتهم إلى مستوى أعلى.
حرف قرآني ولغات أمازيغية
يفتتح الكاتب فصل "حرف قرآني ولغات أمازيغية" بالتأكيد على تجنب أسلوب الخطابة المؤجج للعواطف والباعث على الانتصار غير المتبصر لأفكار غير مأمونة العواقب. ثم يبرهن بكثير من الشواهد على أن الغالبية العظمى من لغات الشعوب الإسلامية التي تستوطن حاليا القارات الثلاث مرت إلى طور الكتابة لأول مرة بفضل الحرف القرآني، ومن بينها لغات إمازيغن المنتشرة شمال الصحراء الكبرى الأفريقية وجنوبها. فالمتوفر الآن من مؤلفات المغاربة المكتوبة بغير العربية يلتقي جميعها في أنها إسلامية المضمون أمازيغية اللسان عربية الخط.
مرافعة رفيعة
وبعد، فهذا كتاب لا يمل القارئ منه، إذ سرعان ما يسحره بلغته العربية القوية التي تجمع بين فصاحة الأقدمين واجتهاد المحدثين ولوعة المكروبين الذين شغلهم حال العربية حتى كادت تذهب أنفسهم من أجلها حسرات.
ولو أن القراء شاهدوا الأوراغي وهو يتحدث عن العربية وأوضاعها لأدركوا أن الرجل مهموم بها لدرجة قصوى، إذ كل حركة من حركات أعضاء جسمه تنصره في مرافعاته الشفوية، فلا يفرق السامع بين الأوراغي كاتبا والأوراغي متحدثا
جزيتـم جبـالا من ألاعمال الصالحه
يـوم العـرض عليـه
رزاذ المطر