من يمسح دموعي؟
في الرابعة عشرة تزوجت وأصبحت أما في الخامسة عشرة، تركني زوجي في منزل أهلي بعد أن أخذ ابنتي مني وسلمني ورقة طلاقي، كانت صدمتي كبيرة وسريعة، لم أستفق منها سوى بعد سنوات طويلة كانت كافية ليسبقني قطار الفرح والحياة، توفي والدي من حزنه على ما جرى معي كان يراني أمامه ساهية واهية أبكي ابنتي الغائبة وحظي السيئ الذي أوقعني بشخص قاسي القلب ميت المشاعر قوته في عضلاته وماله، بأسه وجبروته يسبقانه، كان من عائلة ثرية، كنا نمر أمام قصرهم عند عودتنا من المدرسة ولا نجرؤ أن ننظر إلى الداخل حتى لو كانت البوابة الضخمة مفتوحة لخروج أحدهم، لكن ومن فضولي الزائد اقتربت يوما وحشرت وجهي بين قضبان الحديد في السور الطويل الممتد على مسافة كبيرة، وإذ بيد تمتد لتمسكني، خفت وأردت الهروب، لكنني لم أستطع لأن صاحب اليد كان يمسكني بقوة، وعندما سمح لي برفع رأسي وجدت أمامي رجلا طويلا ضخم الجثة عريض المنكبين عضلاته بارزة، شهقت وحاولت الإفلات من يده إلا أنني كنت كالفأرة العالقة بالمصيدة، صمت قليلاً عندما أخذت أرجوه أن يتركني وإنني لن أكرر ما فعلت قبل أن يسألني ما اسمك قلت بتلعثم “طيف”، وكم عمرك أجبت ثلاثة عشرة عاماً، فقال وماذا تفعلين هنا أجبت أنا أمر كل يوم من هنا في طريقي من المدرسة إلى المنزل، وأي واحد هو منزلك مددت أصبعي أشير إلى المنازل الشعبية المتراصة في الجهة المقابلة، تركني، وتركت منزل أهلي لأذهب وأعيش في ذاك القصر الذي تمنيت أن أرى حديقته فقط فكان سبب تعاستي، صحيح انه كان رائعا من الداخل، لكنه فارغ، فلا أحد منهم يعرف أي شيء عن الآخر، فزوجي كان الشاب الوحيد على ستة بنات. صحيح أن والديه كانا ضد زواجه في البداية بسبب وضعنا المادي إلا أنهما وافقا عند إصراره ثم أحباني فيما بعد أو إنهم أشفقوا علي من طبع ولدهم، فقد كان لا يحب أحداً متعجرفاً مغروراً تزوجت شقيقاته بسرعة واحدة تلو الأخرى فقط ليهربن من طباعه الشرسة، أنا لا أعرفهن جيدا فقد كن يأتين في المناسبات فقط، وكنت أشعر بالجفاء بينهن وبينه وهو لم يكن يتكلم عنهن إلا نادرا، كن لطيفات معي، لكنني لم أزر واحدة منهن في منزلها، لأن زوجي كان لا يأخذني إلى أي مكان، كنت بالكاد أراه فهو يقضي أيامه في العمل، ولياليه مع أصدقائه، لم أعرف لماذا تزوجني ولا لماذا طلقني فقد كنت أخافه ولا أجرؤ أن أطرح عليه أي سؤال.
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#128550#post1810232
كان يصل في المساء إن وجدني نائمة يوقظني من رقادي ليشتمني ويقول إن المرأة الصالحة تنتظر قدوم زوجها ولا تنام قبل أن يصل، وإذا انتظرته يشتمني ويقول لماذا تنتظرينني هل أنا طفل صغير أمامك؟ كنت لا أعرف ماذا أفعل لأرضيه. كان يضربني دون سبب إذا كان يومه سيئا، أو إن تأخر أحد الموظفين على دوامه، لم أرى ابتسامته إلا يوم ولادة الصغيرة التي حملتها بين ذراعي أربعين يوماً، فقط رائحتها لا تزال في أنفي وعلى ملابسها التي بدلتها لها قبل أن يأتي إلى منزل أهلي ويأخذها مني، وسادتها الصغيرة التي ما زلت أحتفظ بها إلى الآن لا أنام دونها، أحضنها وأنام، دموعي تبلل وسادتي وقلبي يقطر ألما على طفلتي الجميلة، أحاول أن أعرف ماذا فعلت لأستحق أن أحرم من ابنتي فليتركني معها مربية، مرضعة أي شيء لكن أن يحرمني، منها دون ذنب اقترفته فهذا ما يجعلني أجن، سلبني كل شيء جميل بحياتي هذا الإنسان حتى مراهقتي وفرحي، حطم فؤادي، ثقتي بنفسي وبالناس، مرت الأيام لأجد نفسي قد أصبحت خالة وعمة لأولاد وبنات، شعرت وكأنني حملتهم في أحشائي، كانوا كأنهم أولادي أنا، تعلقوا هم بي بشدة، كانوا يغرفون من بئر حناني الذي لا ينضب فكنت أعوض معهم عن بعد ابنتي عني، ولم أنتبه أنني أصبحت في هذا السن إلا عندما أتى ابن شقيقتي الأصغر بين الجميع يخبرني انه اجتاز امتحان القبول في كلية الإعلام، كنت انظر إليه وانا شاردة به أتأمله قائلة ما شاء الله متى أصبح طويلا هكذا؟ بالأمس حملته بين يدي كان صغيرا جدا بالكاد وصل إلى الثلاثة كيلوغرامات، قدميه كانتا صغيرتين جدا، والآن أصبح رقم نعاله خمسة وأربعين. أمسكني من كتفي يهزني، قائلا خالتي لماذا تنظرين إلي هكذا كأنك ترينني للمرة الأولى، قلت لا شيء يا حبيبي لقد كبرت ما شاء الله، وأصبحت شابا مثل القمر، يا خالتي يا حبيبتي القمر جميل من بعيد فهو كتل من الصخور ويفتقد للجاذبية. ضحكت وقلت له أيها المغرور لا تلعب على الكلام معي فأنا خالتك ولست واحدة من التي تكلمهن وتلعب بعقولهن بكلامك المعسول، قال لي من يسمعك تتكلمين عني يقول انك تكبرينني بأعوام كثيرة. قلت يا ولد أنا أكبر منك بثلاثة عشر عاما. جلس جانبي وقال لماذا لم تتزوجي إلى الآن يا خالتي مع أنك رائعة الجمال، مثقفة، حنونة، هادئة، طباخة ماهرة، مربية ممتازة؟ كان يجب أن يكون لديك الكثير من الأولاد فأنت تعرفين كيف تتعاملين مع الأطفال والكبار على حد سواء، لكنني متأكد بأنك رفضت الكثيرين، لأن أي شاب يتمنى أن تكوني زوجته، صمت بحزن ثم تنهدت بعمق قبل أن أقول له انه النصيب يا حبيبي، احترم تنهداتي وصمتي وقبلني على جبيني قائلا: ولا يهمك نحن كلنا أولادك.
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#showthread.php?p=1810232
لم يكن أحد منهم يعرف بزواجي ولا بابنتي فقد أبقينا هذا الموضوع طي الكتمان عدت للتفكير بابنتي المسكينة التي لم تراني قط وهي بالطبع لا تعرف شيئاً عني، ليتني أستطيع رؤيتها ولو من بعيد لكنني للأسف لا أعرف أين أصبحت، فبعد طلاقنا انتقل زوجي السابق إلى منطقة أخرى فقد كان يكره منزلهم لأنه بمكان مقرف وجيرة سيئة حسب قوله، فالمنازل المحيطة بهم قديمة وآيلة للسقوط فوق رؤوس أصحابها وشكلها يشوه المكان، كان يلوم والده على انه شيد ذاك القصر هناك، لذلك بعد زواجنا بأشهر توفي والده واعتبرني فألاً سيئاً عليهم، عرض القصر للبيع وبعد أن طلقني ذهب إلى مكان مجهول بالنسبة لي على الأقل، كان فقرنا وخوفنا منه يمنعنا من الذهاب إلى المحاكم فصمت والدي وقال لي ماذا نفعل يا ابنتي؟ لك الله سبحانه وتعالى فنحن لا نستطيع أن نقف بوجه هذا الظالم، أنت تعرفينه أكثر منا وتعلمين جيدا أننا حشرات بالنسبة له، سيدوسنا دون أن يرف له جفن وفعلا وكلت أمري لله وأكملت حياتي قابعة في غرفة تضمني وشقيقاتي في المنزل القديم الذي مهما رممناه يبقى قديما إلى أن قررت الحكومة شراء المنازل بتلك المنطقة القديمة بأسعار خيالية فبعنا وانتقلنا نحن أيضاً إلى مكان آخر بعد أن بدأ أشقائي بالعمل وتبوأوا مراكز مهمة وتزوجت شقيقتي الصغرى برجل أحواله المادية ممتازة أصبحنا نعيش حياة غير التي كنا نعيشها،كانوا يجتمعون في منزلنا يوم الجمعة لنتناول طعام الغذاء سويا. كان كل همي أن أراهم سعداء، كنت كاتمة أسرارهم ومهدئة خواطرهم، كانوا يشكون لي كبارا وصغارا كنت أنا أم العريف أرد على أسئلتهم كلها حتى دائهم ودوائهم حبهم وضحكهم بكائهم وفرحهم، كنت انتقل من منزل لآخر فأبقى مع المريض ليشفى والطالب لينهي دراسته والحزين ليحل مشكلته، حتى إلى السوق، كنت أنا المرافقة فهم يحبون ذوقي وصبري خاصة الفتيات عندما يرتدن الأسواق فأنا من تفاصل وتجادل كنت أعود إلى المنزل لأخدم والدتي المريضة، الجميع يتصل بي للاطمئنان عليها لكن أنا من يسأل عني لا أحد، أنا لا أقول إنهم لا يحبونني ولا يهتمون بي لكن أنا بالنسبة إليهم إنسانة غير عادية أنا لا أمرض ولا أحزن ولا أبكي ولا أجوع، لا أطلب ولا مشاكل عندي، أكون أحيانا بحاجة للكلام فأبدأ به لكن ودون أن أدري كيف يصبح ما بدأت به خبراً عن أحد ما، فإذا قلت مثلا منذ الأمس وانا أشعر بألم في رأسي قست ضغطي فوجدته مرتفعا فتقول شقيقتي ذكرتني بشقيقة زوجي، يجب أن اكلمها فهي اكتشفت إن لديها السكر وكوليستيرول، الله يسامحها، فهي تأكل بكثرة طعامهم دسم جدا والحلويات حدث ولا حرج، فتقول الأخرى الجميع الآن يتجه إلى الطعام الصحي دون سمن ودهن، فترد عليها الأخرى قولي هذا الكلام، لأولادك الذين يتناولون من الوجبات السريعة كنتاكي وهمبرغر كل يوم، لماذا يا شقيقتي، انظر إليهن لعل واحدة منهن تتذكر أنني بدأت بحديث مهم عن نفسي ثم فكرت بأنهن يكرهن أن أمرض فسوف أخرب عليهن مشاريعهن كانت والدتي تنظر إلي بقهر وتقول أنت عودتهن على هذا لماذا يا ابنتي أنت لا تعيشين حياتك كما يجب؟ فأنت رهن إشارتهن تقضين وقتك بين واحدة وأخرى لتلبية طلباتهن التي لا تنتهي وأنت من يسأل عنك، قلت لها لا بأس يا أمي أجابت أنا يا ابنتي لا يعجبني وضعك فأنت طيبة لدرجة كبيرة، لا تعرفين أن تقولي لا عندما يجب أن تقوليها، هن بناتي وقطعة مني، لكن أنت أقرب واحدة إليّ أنت قطعة من قلبي، يكفي يا ابنتي عزلة وحزناً فأنت ما زلت شابة، وكثيرون يتمنون الزواج بك، لكنك وضعت حاجزا حولك قولي لي، من تبقى من صديقاتك، كلهن ابتعدن عنك فأنت لا تخرجين معهن لأنك إما مشغولة بي أو بشقيقاتك ومواعيدهن، لكن يا ابنتي هن لديهن أزواجهن يلجأن إليهم بأي شيء، أولاد يركعون عند أقدامهن إن مرضن، لكن أنت لا أحد معك، أنا الآن هنا ولكن الله العالم متى أرحل عن هذه الدنيا، فتصبحين وحيدة لا ونيس، ولا جليس، فكل واحد منهم سيعود إلى منزله في آخر المطاف، مهما أتوا عندك، ولكن في النهاية ستصبحين وحيدة، تلعبين دور الأم لهم والجدة لأولادهم، لا تفعلي هكذا بنفسك اسمعي مني وافتحي المجال بأن يتقدم لك أحدهم، ليكون معك في أيامك الصعبة يمسح دمعتك يطبطب عليك إنسانا حنونا وطيبا كوالدك رحمه الله، انظري إلى أنسبائك وكم هم جيدون ويحبون عائلاتهم فالزواج يا ابنتي والأولاد، هما سنة الحياة وليس بالضرورة أن يكون كالذي اختبرته أعطي نفسك فرصة أخرى قبل أن يسبقك القطار وتندمين اسمعي مني أنا أمك فلا أحد تهمه مصلحتك أكثر مني، قلت لكنني يا أمي انتظر عودة ابنتي إلي يوماً ما، فإن عادت ووجدت رجلا بحياتي لن تستطيع أن تعيش معي. أجابت أنا لا أريد أن أحبطك لكن لو كان هناك مطر لرأينا السحاب.
توفيت والدتي بعد عام ووصلت لكل كلمة قالتها لي كنت أشعر بوحدة قاتلة وحزن كبير على فقدانها، كانوا جميعهم قد عادوا إلى حياتهم بعد مرور شهر واحد، إنها الحياة التي تستمر لكن أنا شعرت بأن حياتي وقفت هنا عند موتها، بدأت الأمراض تعرف طريقها إلى جسدي، لم يعودوا يتركوني وحيدة، ورفضت أنا أن أعيش مع أحد منهم، فما كان من شقيقتي إلا أن تطلب من ولدها الذي كان عمله قريبا جدا من منزلي، أن يأتي ويبيت عندي، شعرت بأنني شفيت عندما أتى بأغراضه ورتبت له أفضل غرفة في المنزل كان يحبني جدا ويهتم بي كأنني والدته، أصبح الكل يغار منه ومن اهتمامي الزائد به، وفي يوم أتى يقول خالتي أريد أن أخبرك شيئا ستكونين الأولى التي تعرف قلت خير يا حبيبي قال خيرا إن شاء الله، أنا أريد الزواج بزميلة لي في العمل إنسانة رائعة وشفافة جميلة جدا ومن عائلة كبيرة، ولها وزنها، والدها رجل أعمال معروف وثري كبير لكنني أحببتها هي قبل أن أعرف شيئا عن عائلتها، وقد حدثت جدتها عني لتقنع والدها، قلت وأين والدتها؟ قال لا أدري أعتقد أنها ميتة، فهي لا تتكلم عنها أبدا شعرت بأن قلبي يطرق بسرعة ولم أعرف السبب قلت على بركة الله يا حبيبي، ما اسم عروسك الجميلة؟ فقال مهرة محمد شعرت، وكأنني سأقع أرضا انتابني دوار خفيف، جلست على الكرسي فصرخ ما بك قلت كنيتها كذا قال نعم كيف عرفت؟ قلت له أجلس سأقول لك سراً، جلس وهو ينظر إلي بخوف، قلت هذه الفتاة التي تحبها هي ابنتي، بدت الصدمة واضحة على وجهه ثم قال لكنك لم تتزوجي يا خالتي، فكيف هذا؟ قلت تزوجت لكننا أخفينا الأمر عنكم لأنني لم أكن أحب أن أتكلم عن هذا الموضوع، فوالدها أخذها مني عندما كانت رضيعة، واختفى ولم أرها من وقتها، لم يعرف المسكين إن كان يفرح أو يحزن، قلت دعني أقبل يديك، لأنك وجدت ابنتي دعني أرها أرجوك ولو من بعيد، قال أنا من سيقبل يديك لا تقولي هكذا فأنت أكثر إنسانة أحبها بحياتي وأنجبت أكثر من أحب، الآن أخذني بين ذراعيه يقبلني قائلا سآتي بها إليك غدا أعدك، لكن، لا تقل لها شيئا أرجوك صمت ثم قال حسنا لا تقلقي دعيني أرتب الأمور لك…
كان لقائنا عاصفا مبكيا محزنا ومضحكا كانت لا تصدق أنها معي، كانت تعتقد أنني لم أسأل عنها وأنني عدت وتزوجت، لم تكن تعرف اسمي حتى لتحاول البحث عني، كانت صدمتها قوية لكن فرحها أقوى، لا تسألوني كيف قبل والدها؟ صحيح أن ابن شقيقتي مهندس معروف في البلد، لكنه لم يكن يملك المال مثلهم، لكنه احترم اختيار ابنته لمن سيصبح زوجها، لم يعرف انه ابن شقيقتي إلا بعد الزواج هذا ما اتفقنا عليه مع ابنتي حتى لا يرفض، أما أنا فأعيش الآن مع ابنتي وزوجها أحباء قلبي وحياتي كلها أربي ابنتهما التي هي قطعة مني بحق كنت عندما أحملها بين ذراعي تغطي الدموع وجهي فتأتي ابنتي لتحضنني وتمسح دموعي قائلة لا تخافي الغالية لن يأخذها منك أحد فأنظر إليها قائلة إنها دموع الفرح يا عمري أنت فأنا لا أصدق كم أكرمني ربي فأنت معي وأمامي ابنتك بين ذراعي يا إلهي هذا أكثر مما طلبت… الحمد لله..
المصدر … الكاتبه مريم راشد ….. دار الخليج
ياالله قصه مؤثره جداً ….
تأثرة بها كثيراً فا بكيت أولها حزن وأخرها فرح …
الحمدلله أن الله معا الصابرين ….
لك تحياتي ..
*
يعطيك العافيه
اقتباس:
ياالله قصه مؤثره جداً ….
تأثرة بها كثيراً فا بكيت أولها حزن وأخرها فرح … الحمدلله أن الله معا الصابرين …. لك تحياتي .. * |
تحياتى لمرورك العذب اختى وردة فوشيه
كل الود والخير لك