صفـات أهـل الجنــة وأهـل النــار
=======================
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف ، لو أقسم على الله لأ بره .
ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتلٍ جواظٍ مستكبر )) متفق عليه .
(( العتل )) :الغليظ الجافي:
(( والجواظ )) بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة : هو الجموع المنوع ،
وقيل : الضخم المختال في مشيته ، وقيل : القصير البطين .
شـرح الحــديــث
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ))
يعني هذه من علامات أهل الجنة ؛
أن الإنسان يكون ضعيفاً متضعفاً ، أي : لا يهتم بمنصبه أو جاهه ، أو يسعى إلى علو المنازل في الدنيا ،
ولكنه ضعيف في نفسه متضعف ، يميل إلى الخمول وإلى عدم الظهور ؛
لأنه يرى أن المهم أن يكون له جاه عند الله عز وجل ،
لا أن يكون شريفاً في قومه أو ذا عظمة فيهم ،
ولكن يرى أن الأهم كله أن يكون عند الله سبحانه وتعالى ذا منزلة كبيرة عالية .
ولذلك تجد أهل الآخرة لا يهتمون بما يفوتهم من الدنيا ؛إن جاءهم من الدنيا شيء قبلوه ،
وإن فاتهم شيء لم يهتموا به؛
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#228352#post2070587
لأنهم يرون أن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأن الأمور بيد الله ،
وإن تغيير الحال من المحال، وأنه لا يمكن رفع ما وقع ولا دفع ما قدر إلا بالأسباب الشرعية التي جعلها الله تعالى سبباً .
وقوله : (( لو أقسم على الله لأبره)) يعني لو حلف على شيء ليسر الله له أمره ،
حتى يحقق له ما حلف عليه ، وهذا كثيراً ما يقع ؛
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#showthread.php?p=2070587
أن يحلف الإنسان على شيء ثقة بالله عز وجل ، ورجاء لثوابه فيبر الله قسمه ،
وأما الحالف على الله تعالياً وتحجراً لرحمته ، فإن هذا يخذل ، والعياذ بالله .
وهاهنا مثلان :
المثل الأول : أن الربيع بنت النضر رضي الله عنهما وهي من الأنصار، كسرت ثنية جارية من الأنصار ،
فرفعوا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تكسر ثنية الربيع ،
لقول الله تعالى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْس}إلى قوله : ( وَالسِّنَّ بِالسِّنّ) [المائدة : 45]
فقال أخوها أنس بن النضر : والله يا رسول الله لا تكسر ثنية الربيع ، فقال (( يا أنس كتاب الله القصاص ))
فقال : والله لا تكسر ثنية الربيع .
أقسم بهذا ليس ذلك رداً لحكم الله ورسوله ،
ولكنه يحاول بقدر ما يستطيع أن يتكلم مع أهلها حتى يعفوا ويأخذوا الدية ، أو يعفوا مجاناً ،
كأنه واثق من موافقتهم ، لا رداً لحكم الله ورسوله ،
فيسر الله سبحانه وتعالى ؛ فعفى أهل الجارية عن القصاص ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
((إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)).
وهنا لا شك أن الحامل لأنس بن النضر هو قوة رجائه بالله عز وجل ،
وأن الله سييسر من الأسباب ما يمنع كسر ثنية أخته الربيع .
أما المثل الثاني : الذي أقسم على الله تألياً وتعارضاً وترفعاً فإن الله يخيب آماله ،
ومثال ذلك الرجل الذي كان مطيعاً لله عز وجل عابداً ، يمر على رجل عاص ، كلما مر عليه وجده على المعصية ،
فقال : والله لا يغفر الله لفلان ، حمله على ذلك الإعجاب بنفسه ، والتحجر بفضل الله ورحمته ،
واستبعاد رحمة الله عز وجل من عباده .
فقال الله تعالى (( من ذا الَّذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفرَ لفلانٍ . فإنِّي قد غفرتُ لفلانٍ؟ وأحبطتُ عملَك . )) رواه مسلم ،
فانظر الفرق بين هذا وهذا .
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إن من عباد الله )) (( من )) هنا للتبعيض ،
(( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره )) وذلك فيمن أقسم على الله ثقة به ، ورجاء لما عند الله عز وجل .
ثم قال صلى الله عليه وسلم : ((ألا أخبركم بأهل النار ، كل عتل جواظ مستكبر )) ؛ هذه علامات أهل النار.
(( عتل )) : يعني أنه غليظ جاف ، قلبه حجر والعياذ بالله ؛ كالحجارة أو أشد قسوة .
(( جواظ مستكبر )) الجواظ فيه تفاسير متعددة ، قيل إنه الجموع المنوع ، يعني الذي يجمع المال ويمنع ما يجب فيه .
والظاهر أن الجواظ هو الرجل الذي لا يصبر ،
فجواظ يعني جزوع لا يصبرعلى شيء ،
ويرى أنه في قمة أعلى من أن يمسه شيء.
ومن ذلك قصة الرجل الذي كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة ،
وكان شجاعاً لا يدع شاذة ولا فاذة للعدو إلا قضى عليها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن هذا من أهل النار )) ،
فعظم ذلك على الصحابة ، وقالوا : كيف يكون هذا من أهل النار وهو بهذه المثابة ؟
ثم قال رجل : والله لألزمنه يعني لأ لازمه حتى أنظر ماذا يكون حاله ،
فلزمه فأصاب هذا الرجل الشجاع سهم من العدو .
فعجز عن الصبر وجزع ثم أخذ بذبابة سيفه فوضعه في صدره ثم اتكأ عليه حتى خرج السيف من ظهره والعياذ بالله ، فقتل نفسه .
فجاء الرجل للرسول صلى الله عليه وسلم فقال :
يا رسول الله أشهد أنك لرسول الله ، قال (( ويم ؟ )) قال : لأن الرجل الذي قلت إنه من أهل النار ، فعل كذا وكذا ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار )) متفق عليه.
فانظر إلى هذا الرجل جزع وعجز أن يتحمل فقتل نفسه .
فالجواظ هو الجزوع الذي لا يصبر ،
دائماً في أنين وحزن وهمّ وغمّ ، معترضاً على القضاء والقدر ، لا يخضع له ، ولا يرضى بالله رباً .
وأما المستكبرفهو الذي جمع بين وصفين :غمط الناس ، وبطر الحق ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(( الكبر بطر الحق ، وغمط الناس )) رواه مسلم
بطر الحق : يعني رده،
وغمط الناس:يعني احتقارهم، فهو في نفسه عال على الحق،
وعال على الخلق ،
لا يلين للحق ولا يرحم الخلق والعياذ بالله .
فهذه علامات أهل النار .
نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار ،
وأن يدخلنا وإياكم الجنة . إنه جواد كريم .
شرح رياض الصالحين لابن العثيمين رحمه الله