( في مجالسهم أكثروا الحديث عن الزواج ، فقائل أريدها جميلة وإن . . . عَشَقَ الجسد وغاب عنه أن للروح قبح وجمال يذهب بكل أوصاف الجسد ، وقائل أريدها ذات مال وجاه ، يخاف الفقر والناس فراح يلتمس سببا في الزواج ، وأقول لهم أريدها ذات دين ، طاعةً لربي فقد أمرني على لسانه حبيبيه صلى الله عليه وسلم : فاظفر بذات الدين تربت يداك ، وأرى في ذات الدين بِِرَّ أبي وأمي وصلةَ رحمي ، فكم من أشقاء تربطهم كل أواصر المودة من رحم وصحبة وجوار تقطَّعت أرحامهم ودبت الشحناء بينهم بعد الزواج .
وأرى في ذات الدين صلاح الأبناء ، فكل إناء بما فيه ينضح ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، ذاتُ الدين تسقي أولادها مما ارتوت منه .. قرآن وسنة وأدب في الفعال والأقوال .
وأرى في ذات الدين سببا قويا للرزق ، فما عند الله لا ينال إلا بطاعته ، وصلاح الآباء سبب من أسباب التوسعة على الذرية قال الله ( وكان أبوهما صالحا ) . فمن أراد الرزق فهذا من أقوى أسبابه . وليس الرزق فقط درهم ودينار بل راحة بال وطمأنينة نفس … وأشياء وأشياء .
أتيتُ بيتكم يحدوني طيبُ خصالكم أقول : هؤلاء أخوال أبنائي ، فالولد لخاله ــ كما يقولون في أمثالهم ــ )
كان هذا جزء من خطاب بعض الشباب لمن أراد خطبتها ، يُعلل فيه أسباب تقدمه لخطبتها ، وهو خطاب عاقل يُظهر بُعد نظر قائله ، وحرصه على الخير .
تقول عن هذا المتقدم لخطبتها ، أن أكثر ما كان يشغله في أمر الزواج هو حال الأبناء ، يقول الأبناء عُمر آخر للآباء وأجر كبير لو صاحبه الاحتساب ، والملاحظ أن الولد يأخذ من أعمامه و أخواله ، فإن كانت المرأة سيئة الخلق من بيئة فاسدة خرج بعض أبنائها مثلها وكما يقول الشاعر :
إذا كانت الطباع طباع سوء * * * فلا أدب يفيد ولا أديب
فالمشاهد من حال الناس أن الصفات الوراثية لها الغلبة في تكوين شخصية الفرد ، وأن التهذيب والتأديب لا يغير كثيرا ، وفي التنزيل ( ذرية بعضها من بعض ) .
وفي التاريخ شواهد كثيرة على ذلك ، تزوج الحاجب بن منصور ببنت (سانشو ) ملك ( نافار ) الصليبي فأنجبت له ( شَنْجُول ) الذي أضاع ملكة ، والمأمون كان ابن الجارية ( مراجل ) بنت مدعي النبوة في خرسان وقتها .
وقد رأينا ملوك بني العباس كلهم أبناء إماء ــ عدا السفَّاح والمهدي ــ ، وخرج كثير منهم تغلبه صفات أخواله ، وتأثرت الدولة العثمانية بمن أنجبتهم الجارية اليهودية التي تزوجها سليمان القانوني ( المشرع ) . وفي الواقع شواهد كثيرة ، ولك أن تنظر فيمن حواليك لتجد كثيرا من أبناء المصلحين كسالى لا همَّ لهم ولا عزم .
والمراد أن على كل من يريد الزواج أن يبحث عن ذات الدين . . . طيبةِ الأصل التي تنجب له الذرية الصالحة المصلحة ، وكذا المرأة عليها أن يكون أحد أهم خياراتها هو صلاح الزوج وطيب بيئته طلبا لصلاح الذرية وإبقاء لأواصر الرحم وقبل كل ذلك طاعة لرسول الله صلى عليه وسلم .
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#113361#post1647357
ولا ينبغي أن يقف المرء كثيرا عند الخِيَرات الشكلية ، التي ضخمها الإعلام اليوم حتى رأينا أن شروط الشاب أو الشابة تنحصر في الشكل والمستوى المادي .
وقديما تقدم معاوية بن أبي سفيان ـ وهو أبيض جميل ــ ، وأبو الجَهْم بن حذيفة ــ عدوي قرشي . . . نسيب حسيب ـــ ، لخطبة فاطمة بنت قيس ــ بن خالد الفهرية القرشية ــ فأوصاها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تتزوج من أسامة بن زيد وهو أسود شديد السواد أفطس ـ رضي الله عنه ــ تقول ـ رضي الله عنها ــ ( فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ ) (1) أي تمنى كثيرون مثل زواجها .
فالمروءة مطلب أي مطلب ، وحُسن العشرة مطلب أي مطلب ، والشهم الشجاع خير من شبيه النساء الخوار الذي لا يحمي جواره ولا يحنو على أهله . وسلوا المتزوجات . والمرأة الودود الصالحة الطائعة التقية سكن وراحة للبال ومربية أجيال وعون على هموم الدنيا والآخرة وسلوا المتزوجين .
عاشت صاحبتنا بخير وأنجبت من نحسبهم رجال الغد ، والله نسأل أن يهدي شبابنا لما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة