نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونثني عليه الخير كله
، ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لحمد في الأولى
والآخرة ، وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله ، أما بعد :
فمن الصفات القبيحة ، والخصال الذميمة ، والأخلاق
الدنيئة التي تحلى بها بعض الناس ، خلق اللعن
والسباب ، وهما صفتان لا ينبغي لمسلم أن يتصف
بهما ، لأنهما من أنواع الذنوب ، ولا شك أن الذنوب
تنقص الأجور ، وتوغر الصدور ، وفيها محق للحسنات
وجمع للسيئات ، وإنزال في الدركات .
فلما كان الأمر بهذه الخطورة ، كتبت هذه الورقات
مبيناً فيها خطورة اللعن والسباب ، وبيان خطورتهما
على من اتصف بهما ، ناصحاً لنفسي ولكل من اطلع
عليه من إخواني المسلمين للحذر من مغبة الوقوع
في هذه الكبيرة العظيمة .
فأقول متوكلاً على الله ربي ، وهو حسبي ونعم الوكيل .
والجمع لِعانٌ ولَعَناتٌ . [ مختار الصحاح ] .
قيل : هذا مَحْمُول على من سَبَّ أو قاتَل مُسْلما
من غير تأْويل .
ولا تسْتَسِبَّ له أي : لا تُعَرِضْه للسَّبِّ وتَجُرّه إليه ،
بأن تَسُبَّ أبَا غيرِك ، فيسُبَّ أباكَ .
وقد جاء مفسَّرا في الحديث : " إن من أكبر الكبائر
، أن يسُبَّ الرجُل والِد يه ، قيل وكيف يسُبّ والِدَيه ؟
قال : " يَسُبُّ أباَ الرجُل فيسُبُّ أباهُ وأمّه "
[ متفق عليه ] .
للوقوع فيها .
ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ترك
اللسان على غاربه ، في العصيان والطغيان ،
وأنه سبب لانتقاص صاحبه أمام الناس في الدنيا ،
ونقيصة وعيب في الآخرة ، عَنْ أَبِي مُوسَى
رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ
الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ
مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ " [ متفق عليه ] ، عَنِ الْمَعْرُورِ
بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ
، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ :
إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ! أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ،
إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ،
جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ
يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ،
وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ "
[ متفق عليه ] ، وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود رضي
الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ " [ متفق عليه ] .
على العبد اجتنابه ، وتوخي الحذر منه ، ولكن ربما
كانت هناك أموراً تستدعي أن يقوم صاحبها باللعن
، ومن ذلك :
1- ضعف الوازع الديني ، لأن الإنسان إذا لم يكن عنده
علم كاف يزجره عن فعل المعصية ، فربما وقع فيها .
2- ضعف الحياء ، لأن الحياء من الإيمان ، ومن فقد
الحياء فقد شعبة عظيمة من شعب الإيمان ،
ومن لا حياء عنده فلا غرو أن يرتكب المنكر ،
ويقع في الإثم ، ومن جملة ذلك اللعن .
3- الغضب ، فإنسان إذا غضب ولم يتمالك نفسه
، وأطلق لها العنان في ميدان الغضب ، فربما
وقع في اللعن ، ولا سيما الأمهات ، لأنهن يعانين
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#219930#post2060015
الأمرين في بيوتهن ، فأعباء المنزل ، والتربية ،
وأداء حقوق الزوج ، وضغوط العمل إن كانت موظفة
، كل تلك الأسباب ربما أدت بها إلى عدم تمالك
نفسها فتقع في المعصية واللعن ، وهذا أمر مشاهد
ملموس ، أن النساء أكثر الناس سباً ولعناً ،
وحلفاً بالله تعالى على أولادهن ، ومما لا شك
فيه أن الأم لا يمكن أن تقصد إيقاع الأذية بأبنائها ،
ولكن من باب التخويف والتهديد ، ومهما كانت
الظروف فيجب على المرأة الصالحة أن تتقي الله
تعالى في فلذات أكبادها ، فلا تدعو عليهم ،
ولا تلعنهم ، بل تعاملهم بالحسنى ، وتدعو لهم
لأن دعاء الوالد على ولده ولوده مستجاب .
قيد الحياة ، لكن من مات وهو كافر فهذا عليه
لعنة الله ولا شك في ذلك ، قال تعالى : "
إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين
فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون "
[ البقرة 161-162 ] ، وقال تعالى : " إن الذين
كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم
وأولئك هم الضالون * إن الذين كفروا وماتوا
وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً
ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من
ناصرين " [ آل عمران 90-91 ] .
فمن مات من الكفار فيجوز لعنه ، كفرعون وهامان
وقارون وأبو جهل ، وغيرهم .
أما لعن المعين الذي هو على قيد الحياة لا يجوز
فلا نلعنه ، بل الواجب علينا التعوذ من شره وكيده ،
لأن كيده عظيماً ، قال تعالى : " إن يتبعون
إلا شيطاناً مريداً لعنه الله " [ النساء 117-118 ] .
ولكن لو لعنه أحد فلا شيء عليه ، لأنه ثبت أن النبي
صلى الله عليه وسلم لعنه أيضاً في صلاته ،
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : قَامَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ :
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ ثَلَاثًا
، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ
الصَّلَاةِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ
فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ
، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ ، قَالَ : " إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ
جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي ، فَقُلْتُ
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قُلْتُ أَلْعَنُكَ
بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ،
ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ ، وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ
لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ "
[ أخرجه مسلم ] .
، وهما سبب وجوده في هذه الحياة ، وقد قرن الله
حقهما بحقه ، وطاعتهما بطاعته فقال سبحانه :
" واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً
" [ النساء ] ، وقال تعالى : " وقضى ربك
أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما
يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما
فلا تقل لهما
هذه وصية الله تعالى بالوالدين ، طاعتهما
وبرهما والإحسان إليهما ، وعدم التعرض لإيذائهما
، ولو بكلمة أف ، وهي كلمة مكونة من حرفين
، فكيف بمن يلعن والديه ، لهو من أشد المخاطر
، وأسوأ النتائج ، ومن لعن والديه فهو ملعون على
لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ
يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَهَلْ
يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ
فَيَشْتُمُ أَبَاهُ ، وَيَشْتُمُ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ " [ متفق عليه ] .
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ
لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا ، وَلَعَنَ اللَّهُ
مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ "
[ أخرجه مسلم ] .
بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ ،
فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " خُذُوا مَا عَلَيْهَا
وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ " ، قَالَ عِمْرَانُ : فَكَأَنِّي
أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ
" [ أخرجه مسلم ] .
بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ ، عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ
، إِذْ بَصُرَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَضَايَقَ
بِهِمُ الْجَبَلُ ، فَقَالَتْ : حَلِ اللَّهُمَّ الْعَنْهَا ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تُصَاحِبْنَا
نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ " [ أخرجه مسلم ] .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : لَمْ يَكُنِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ،
وَلَا لَعَّانًا ، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ : "
مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُه " [ أخرجه البخاري ] .
حفظ اللسان ، فهو ليس باللعان ولا بالطعان
، ولا يخرج من فيه إلا ما يرضي ربه تبارك وتعالى
، ولقد بين في أحاديث ستأتي بعد قليل خطورة
اللسان على صاحبه إذا أساء التعامل معه .
، التي بها يبين ما يحب وما يكره ، وبه يعبر عن
مشاعره وأحاسيسه ، ويبث همومه ، ويشكو
غمومه ، وبه يتصل بالآخرين ، فاللسان من
أعظم وسائل الاتصال بالآخرين ، ولا يمكن
لرسالة أن تعبر بمثل ما يعبر به اللسان .
فاللسان نعمة عرف قدرها من خاف الله تعالى
واتقاه ، وجلها من أعرض عن ربه ونسيه ، فاللسان
سلاح ذو حدين ، من أحسن استخدامه ، واستغله
في مرضاة الله تعالى وطاعته ، كان نجاة له
يوم القيامة ، كالعلماء وطلبة العلم ، والخطباء
والقراء والمحاضرين والمعلمين والدعاة إلى
الله تعالى ، فأولئك كان سعيهم مشكوراً ، ومن
كان غير ذلك فاستغل لسانه في غضب الله
وسخطه ، كمن يغتاب الناس ويسبهم ويلعنهم ،
ويعتدي عليهم بقوله ، ويهمز ويلمز ويستهزئ ،
فأولئك كان عملهم مثبوراً والعياذ بالله .
فعلى المرء أن يدرك خطورة اللسان ، ويعي
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#showthread.php?p=2060015
عاقبته في القبر والآخرة ، فعامة عذاب القبر
من البول والنميمة ، ويلحق بذلك الغيبة وسيئ
الكلام ، فلما كانت خطورة اللسان بهذه المثابة
فهذه بعض الأدلة التي تبين خطورة الوضع القائم
بين الناس ، حتى اتخذوا مجالسهم مدونة
يتفكهون فيها بعباد الله تعالى ، ويتشدقون بخلق
الله عز وجل .
ديننا وأمننا ، وأن يجمع كلمتنا على الحق والصواب
، اللهم طهر ألسنتنا من قول قبيح ، وسددها لقول
الحق أينما كان ، اللهم ألحقنا بالصالحين ،
واجمعنا بالنبيين والصديقين ، برحمتك يا أرحم
الراحمين .
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله
وأصحابه ، والحمد لله رب العالمين .