وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ومن سخط له السخط) [رواه أبن ماجه والحاكم والترمزي وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وذكره السيوطي في الجامع الصغير والمنذري في الترغيب والترهيب].
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال : (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلا الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة) [رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والدارمي والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، وذكره الحافظ في الفتح].
وعن خباب بن الارت رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا : ألا تستنصر لتا ألا تدعو لتا ؟ فقال : (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ، يجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه .. والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء حتى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ..) [رواه البخاري].
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#26607#post267817
يقول الأمام ابن بطال رحمه الله : (إنما لم يجب النبي صلى الله عليه وسلم سؤال خباب ومن معه بالدعاء على الكفار مع قوله تعالى { ادعوني أستجب لكم } وقوله { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } لانه علم انه قد سبق القدر بما جرى عليهم من البلوى ليؤجروا عليها كما جرت به عادة اله تعالى في من اتبع الأنبياء فصبروا على الشدة في ذات الله ، ثم كانت لهم العافية بالنصر وجزيل الأجر ، قال فأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء عند كل نازلة لأنهم لم يطلعوا على ما اطلع عليه النبي صلى الله عليه وسلم) [فتح الباري 12/391-392].
ويقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله : (ما أغبط احد لم يصبه في هذا الأمر بلاء) [كتاب المحن لأبي العرب التميمي صـ 283].
ويقول مسروق الوادعي رحمه الله : (إن أهل البلاء في الدنيا إذا لبثوا على بلائهم في الآخرة ان أحدهم ليتمنى ان جلده كان قرض بالمقاريض) [المصدر السابق صـ283].
فالابتلاء سنة ربانية وحقيقة شرعية وضريبة دينية يدفعها المؤمن مقابل الأيمان بهذا الدين ، وإلا فالأيمان ليس بدعوى تدعى أو شعار يرفع ، أو هتافات ينادى بها في الشوارع والميادين .. وليس بطقوس تقام ولا شعائر يؤديها العبد في محرابه فيما بينه وبين ربه فحسب ، ويظن أن لا شئ من الأيمان وراء ذلك ، إنما الأيمان أمانة الله لبني الإنسان وعهد الله إليهم أن يلتزموا به وميثاق الله الذي واثقهم به ، فهو حمل باهظ التكاليف عظيم التبعات شديد المسئوليات ، ذلك أنه إن كان الأيمان غير ذلك فما أسهل أن ينسب دعي نفسه إلى الأيمان وأن يلبس ثوبه كل مزور دجال .. ويأبى الله سبحانه وتعالى ذلك (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين.
{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله ، ألا إن نصر الله قريب }.
ويقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى : (أن الناس لا يتركون دون فتنة أي ابتلاء واختيار لأجل قولهم : آمنا ، بل إذا قالوا آمنا فتنوا : أي امتحنوا واختبروا بأنواع الابتلاء ، حتى يتبين بذلك الابتلاء الصادق في قوله آمنا من غير الصادق) [أضواء البيان 6/461].
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد [3/14-15] : (فان الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين : أما أن يقول أحدهم : آمنا وأما ألا يقول ذلك ، بل يستمر على السيئات والكفر ، فمن قال : آمنا امتحنه ربه وابتلاه وفتنه ، والفتنة الابتلاء والاختبار ، ليتبين الصادق من الكاذب ، ومن لم يقل : آمنا فلا يحاسب انه يعجز الله ويسبقه، فمن آمن بالرسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم وآذوه ، فابتلى بما يؤلمه وان لم يؤمن بهم ولم يطعهم ، عوقب في الدنيا والآخرة فحصل له ما يؤلمه ، وكان هذا المؤلم له أعظم ألما وأدوم من ألم اتباعهم ، فلابد من حصول الألم لكل نفس آمنت أو رغبت عن الإيمان لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء ،ثم تكون له العقبة في الدنيا والأخر ، والمعرض عن الأيمان تحصل له اللذة ابتداء ثم يصير إلى الألم الدائم ، وسئل الشافعي رحمه الله أيما أفضل للرجل ، أن يمكن أو يبتلى ؟ فقال لا يمكن حتى يبتلى ، والله تعلى ابتلى أولي العزم من الرسل فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة وإنما يتفاوت أهل الآلام في القول ،فأعقلهم من باع ألما مستمرا عظيما بألم منقطع يسير ، وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر) أهـ [بتصرف].
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#showthread.php?p=267817
لذلك يجب أن يوقن أصحاب الدعوة إلى الله أن تسلط الطواغيت والكفار عليهم صورة من صور الابتلاء الذي خص الله به أهل دينه (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) وليحذر أصحاب الدعوة أن ينحرفوا بمسار الدعوة إلى الله عن المسلك الشرعي – وذلك بقصد تجنب الصدام والمواجهة مع الطواغيت –فالصراع بين أهل هذا الدين والطواغيت قديم قدم الرسالات النبوية فضلا عن كونه من طبيعة هذا الدين ..ويبدأ هذا الانحراف بطريقة تدريجية..تخفيف حدة الخطاب مع الطاغوت..فتكميم الأفواه للدعاة عن مسائل الحاكمية والجهاد ..ثم مشاركة للطاغوت في مجالسه التشريعية الوثنية ..حتى يصل الأمر إلى التأييد المطلق للطاغوت والوقوف ضد صف المجاهدين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وكأن هؤلاء لم يستمعوا الى قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله }.
ورحم الله الشيخ الشنقيطي حينما قال : (يعني أن من الناس من يقول : آمنا بلسانه فإذا أوذي في الله أي أذاه الكفار إيذائهم للمسلمين جعل فتنة الناس صارفة له عن الدين إلى الردة ، والعياذ بالله ،كعذاب الله فأنه صارف رادع عن الكفر والمعاصي ، ومعنى فتنة الناس ، الأذى الذي يصيبه من الكفار ، وإيذاء الكفار للمؤمنين من أنواع الابتلاء الذي هو الفتنة)
__________________
ليري هل سيشكر أم يكفر
فندعو الله تعالي
ان نكون من الشاكرين في كل ووقت وحين
وتحيااااتي
مهدي المصري
وجزي الله كاتبة الموضوع خير الجزاء
وشكرا على مرورك
وجزاك الله خير