كنز من الموروثات الثقافية والتاريخية يطل برأسه من هذه البقعة التي حار في تصنيفها الخبراء والمتخصصون في مجال التنقيب عن الآثار منذ أكثر من خمسين عاما حتى باحت بأسرارها للعالم عن حقبة من اكثر الحقب ثراء في العالم القديم ‚ إنها «مروب» تلك المدينة التي فرشت بساطها على الخليج العربي في منتصف القرن الثامن الميلادي فباتت من أهم مراكز التقاء الشرق بالغرب في العصر العباسي وربما في نهاية العصر الأموي أيضا.. الدكتور منير طه رئيس هيئات التنقيب في العراق والإمارات والبحرين وقطر وتونس وليبيا ومدير عام المركز الإقليمي لصيانة الممتلكات الثقافية بالدول العربية باليونسكو يقول: عندما جاءت البعثة الدنماركية للتنقيب في نهاية الخمسينيات في موقع مروب اعتقدوا في البداية أن الموقع يعود إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد ولكن الدلائل الأثرية بينت انه يرتبط بالعصر العباسي ‚ وفي هذا الإطار يبين الخبير الأثري العالمي د ‚ طه أن قطر كانت تقع في ذلك الوقت ضمن منطقة «الخط» التي كانت تشمل البحرين الكبرى التي كانت تمتد من أقصى شمال الخليج إلى حدود عمان الحالية ‚ التي هي شبه جزيرة عمان (دولة الإمارات العربية وسلطنة عمان) ‚ ويضيف : كانت منطقة البحرين الكبرى تضم قطر وجزيرة «أوال» التي هي البحرين الحالية ‚ بالإضافة إلى جزء من شمال شرق السعودية الحالية‚ وكانت تسكن المنطقة قبائل عربية متعددة ‚ وعندما جاء الإسلام دخل شبه جزيرة عمان كأول منطقة في «الخط»‚ كما وجد بعض المواقع الأثرية التي تدل على وجود الإسلام في شبه جزيرة قطر ‚ وبالرغم من قلتها إلا أنها تؤكد وجوده في منتصف القرن السابع الميلادي ‚ ويستأنف د ‚ طه حديثه قائلا : بعد قيام الدولة العباسية وتأسيس بغداد ونشاط الخليج العربي خلال هذه الفترة أسست كثير من المدن في الخليج العربي لتسهيل التجارة بين البصرة وبغداد من جهة والشرق الأقصى (الصين والهند) من جهة أخرى عبر الخليج العربي فكانت مروب من بين هذه المدن .. ويعود تاريخ موقع مروب (العباسي) إلى منتصف القرن التاسع الميلادي ويعتبر من اكبر المواقع الإسلامية في هذه الفترة‚ والسبب في ذلك يرجع إلى الاكتشافات التالية: ــ وجود 250 منزلا وقلعة دفاعية فيها دوران سكنيان ومسجد‚ وهي من المقومات الإسلامية ‚ كما أنه لم يعثر على أي مدينة تعزى إلى العصر العباسي بهذه السعة في الخليج العربي فيما عدا مدينة «أجميرة» في دبي والتي كنت اشرف على التنقيب بها في بداية السبعينات‚ وموقع آخر في رأس الخيمة يسمى «جلفار» ويعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي ‚ وبذا يصبح موقع مروب الوحيد الذي يرتبط بالعصر العباسي بهذا الحجم ‚ بينما تعود اجميرة إلى العصر الأموي وجلفار إلى العصر ما بعد العباسي .. وحول أسباب ربط قلعة «مروب» بالعصر العباسي رغم قلة الدلائل والوسائل التي استخدمت في التأكد من ذلك يقول د ‚ طه: اعتدنا على دراسة المقارنات بين الأدوات التي وجدت كالفخار المزجج مع موقع مؤرخ به مسكوكات ونصوص تاريخية وجغرافية يعود إلى القرن الثامن ‚ وبالربط بين الأدوات المتشابهة في الموقعين يمكن استنتاج الفترة التاريخية التي يعود إليها‚ كذلك وجد فلس نحاسي مضروب في منتصف القرن التاسع للميلاد بالإضافة إلى الآثار المنقولة التي تعطي دليلا كافيا على أن هذا الموقع يعود إلى العصر العباسي ‚ أما بالنسبة للشواهد البشرية فهناك الرحلات التي كان يقوم بها الرحالة والتجار مرورا بالمنطقة ورواياتهم التي تشير لمدينة «مروب» ومن بينها على سبيل المثال روايات ياقوت الحموي الذي اخذ سفينة من البصرة ونزل في الخليج العربي في طريقه إلى جنوب شرق آسيا وذكر في طريقه قطر ومشاهداته فيها خلال هذه الفترة ‚ فيقول «نحن وصلنا إلى جزر قطر» ومن ثم يوالي رحلته ويكتب عن المدن التي في طريقه والتي شاهدها على الساحل الغربي ‚ وفي عودته كان قادما بالساحل الشرقي ومن بينها يذكر مدينة «خراج» التي كانت مشهورة بصيد اللؤلؤ ‚ بالإضافة إلى العديد من المشاهدات الأخرى لرحالة ومؤرخين كابن بطوطة ومارك بولو واليعقوبي وياقوت الحموي ‚ وكانت مروب في ذلك الوقت أشبه بمنطقة تجارة حرة لاستقبال وإعادة تصدير البضائع التي كانت تأتي من الهند والصين واليابان أومن الدول العربية وخاصة من البصرة وبغداد ومنطقة شمال افريقيا‚ فباتت وسيطا هاما بين أهم القوى التجارية في العالم ‚ أما السيادة في هذا الوقت فقد كانت للتجار القطريين الذين لعبوا الدور الرئيسي في حماية المنطقة وترويج نشاطها التجاري ‚ كما كان يوجد العديد من الجاليات ‚ كالهنود والعراقيين والمصريين‚ أسرار المدينة أما عن سر تسمية (مروب) بهذا الاسم فان لغويا المروب هوالإناء (السقا) الذي يروب فيه اللبن ‚ وحيث أن قرية مروب قد شيدت على أطراف منخفض كبير ‚ فمن المحتمل أن اقتصادها كان مرتبطا بتربية المواشي وصناعات الألبان .. وتقع أطلال قرية مروب عند طرف منخفض خصب على مساحة أربعة كيلومترات تقريبا من البحر الشمالي مدينة دخان بحوالي 15 كيلومترا بين قرية (النعمان) وموقع (أم الماء) الأثري ‚ وفي هذا الموقع أطلال قلعة بنيت على أنقاض قلعة أقدم منها عهدا‚ وحول أطلال القلعة هناك عدة بيوت يصل عددها إلى 250 بيتا على شكل مجموعات ‚ وهي تحيط بشمال القلعة عل شكل هلال إضافة إلى مجموعتين صغيرتين ‚ إحداهما إلى الغرب والأخرى على مسافة كيلومتر واحد تقريبا إلى الجنوب من القلعة ‚ كما أسفرت أعمال التنقيب التي تمت في البيوت عن بقايا مسجدين عند طرفي المجموعة السكنية الشمالية‚ وقد عثر في الموقع على مجموعة من المدافن مختلفة الأحجام غربي القرية الشمالية وأخرى متفرقة جنوبي القلعة وفي المنخفض ‚ ولعل من أكبر آثار قرية مروب الإسلامية بقايا قلعة مبنية على قواعد قلعة أقدم منها عهدا لم يتبق منها سوى جدارين في الشرق وفي الجنوب‚ والقلعة العلوية مستطيلة الشكل وطول جدارها الجنوبي 26 مترا‚ والشمالي 26 مترا والشرقي 28 مترا والغربي 29 مترا‚ وتلك الجدران مدعمة بأربعة أبراج ركنية مصمتة قطر الواحد 1,10 متر‚ وخمسة أبراج نصف دائرية مصمتة أيضا قطر الواحد 1,60 متر‚ ويتوسط كل من الجدار الشرقي والجدار الجنوبي برج نصف دائري ‚ أما الجدار الغربي ففيه ثلاثة أبراج نصف دائرية كشف عنها سنة 1984م خلال الموسم السادس للتنقيب الذي قام به فريق التنقيب القطري التابع لإدارة المتاحف والآثار بإشراف السيد محمد جاسم الخليفي مراقب شؤون المتاحف والآثار آنذاك ‚ أما بالنسبة للجدار الشمالي فتتوسطه فتحة المدخل الرئيسي للقلعة التي يبلغ عرضها 1,40 متر ويلي فتحة المدخل دهليز مستطيل في اتجاه محور المدخل يؤدي إلى الفناء الداخلي للقلعة الذي تطل عليه من الجهة الشمالية والغربية اثنتا عشرة غرفة مستطيلة الشكل متجاورة وغير متساوية الأبعاد ‚ أكبرها بالزاوية الجنوبية الغربية‚ وتطل كل منها على الفناء الداخلي للقلعة من خلال أبواب يتراوح عرضها بين 60 و80 سم ‚ ولم يكن المدخل الشمالي هوالمدخل الوحيد للقلعة إذ أن هناك مدخلا جانبيا في الجهة الغربية في الجدار الجنوبي للقلعة يبلغ اتساعه 90 سم تقريبا‚ وقد تم اكتشافه عام 1984م في الموسم الثالث بمعرفة الفريق القطري أيضا ‚ وفي الركن الجنوبي الشرقي من الفناء الداخلي للقلعة توجد بئر ماء يبلغ قطر فوهتها مترا ونصف المتر وهي تضيق تجاه القاع ‚ ولقد كانت تلك البئر مصدر مياه الشرب لأهل القلعة خاصة في حالات الحصار حيث يهرع أهلها للتحصن بها ‚ أما القلعة الأولى السفلية التي بنيت على قواعدها جدران القلعة الثانية فهي مستطيلة الشكل وأكبر مساحة ‚ ولم يتبق من جدرانها سوى الجدار الجنوبي الذي يبلغ طوله 30,40 متر ‚ والشرقي 31,40 متر‚ وبقايا من الطرف الشرقي للجدار الشمالي ‚ ويظهر من الأبراج الركنية للقلعة الأولى (السفلية) ثلاثة أبراج‚ أحدهما في الزاوية الشمالية الشرقية والآخر بالزاوية الجنوبية الشرقية والثالث بالزاوية الجنوبية الغربية‚ وبرجان نصف دائريين أحدهما يتوسط الجدار الشرقي ‚ والآخر يتوسط الجدار الجنوبي ‚ ومن المحتمل أنه كان يوجد بوسط الجدار الغربي برج نصف دائري‚ أما فيما يتعلق بمواد البناء فقد استخدمت في كافة أبنية قلعة مروب في الفترتين الأولى والثانية الحجارة الجيرية التي تم جمعها من سطح المنطقة المحيطة بالموقع‚ وقد خصصت الحجارة الكبيرة الحجم للمداخل والأبراج وزوايا الأبنية ‚ أما الملاط فكان من الطين المتوافر في المنخفضات المحيطة ‚ وقد استخدم ملاط المداميك وتكسية الجدران من الداخل والخارج .. منقول |
||
للمعلومات الأثرية والرائعة
حقيقةً سلمت الأيادي على طرحها لنا ..,
يعطيك العافيه
موضووع متميز
يعطيك الف عافيه على المجهود
وعلى المعلومات القيمه
تقبلي ارق تحياتي
نورتي اختي
تسلمين على حضورج
لج الف شكر
لج تحيتي