كانت مها دوماً حلمي، حلمي الذي يراودني صباح مساء، أملي الذي عليه أصبح وأمسي.. غايتي التي لا غاية لي سواها ومناي الذي ناجيت به الليل والقمر وكل ما يدور في فلك المحبين..
إن كانت لي أمنية فهي أن تصبح شريكة حياتي
وإن كانت لي رغبة فهي أن تكون مها زهرة بستاني ودفق شرياني
أحببتها حباً.. كيف أصفه..؟ لا لن احكي عن حبي لها.. فهو يرى ويشعر به ولا يتحدث عنه.. حبها من ذلك النوع الذي يفجر بداخلك كل طاقة ممكنة لتستمتع به أكثر وأكثر.. وكلما اقتربت منها شعرت أنها ابتعدت عني أميالاً.. فالتهب حماساً لأقطع المسافة الفاصلة بيني وبينها لأستحقها بجدارة.
مها.. لم تكن ككل البنات.. ولم تكن حلمي أنا وحدي فقط.. كانت حلماً لكثير من أترابي.. كانت شمسا إن أشرقت في المكان غطت على كل شيء.. وغمر نورها كل شيء.. كانت زهرة إن تفتحت خجلت منها كل زهرة.. جمالها.. دلالها.. شخصيتها..
طموحها.. ذكاؤها المتقد.. وثقتها بنفسها.. كل ذلك جعل من محبوبتي الماسة نادرة بين بنات جنسها..
ولكن كيف؟ كيف أصل إليها والحظ يعاندني في كل مرة أحاول الاقتراب من زهرتي.. فأنا قد حصلت على شهادة جامعية بمعدل متوسط وتخصص عادي جدا انضممت به إلى قائمة البطالة المقنعة بعملي الروتيني بإحدى الوزارات وعلى بند الأجور.. بالكاد مرتبي يكفي مصاريف شقتي بالرياض التي اقتسمها مع زملائي العزاب وسيارتي المتهالكة ومصاريف شخصية بسيطة..
وفي أول الشهر.. يكون جيبي تماماً كثلاجة الشقة.. كلها خاوية فارغة.. فأعود لذات الروتين من الاستدانة أو الذهاب لوالدي في القرية مدعياً أني اشتقت لهم لآخذ ما يكفيني حتى نهاية الشهر.. ألتفت فأجد من حولي إما أبناء مسؤولين كبار أو أثرياء وتجار.. يبدلون سياراتهم كل عام.. يزورون مقاهي ومطاعم بانتظام وكأن جيوبهم لا تخلو من المال مثلي..! بينما أجد أحيانا أخرى من زملائي من يعمل بكبينة هاتف أو محل لبيع الخضار أو حتى ينسخ ***** الحاسوب ليبيعها بمبلغ رمزي يكفي ثمن عشاء في مطعم متوسط..!
الحصول على الدورات أمر مكلف لمثلي.. والبحث عن عمل إضافي أمر مرهق.. ولكن.. ولكن
مها.. سأعمل كل شيء لأستحق مها.. يطمع بمها غيري ممن يملكون جميع ما يملكه أبي وأعمامي ويطمح بها من يحمل الشهادات العليا والمناصب الرفيعة.. وأنا.. أنا لاشيء..
وطار حلمي ..
لقد تزوجت مها.. وأنا أصارع أحلامي.. تزوجت زياد.. طيار مدني.. برتبة مساعد طيار.. من عائلة معروفة.. حملها وأحلامها على جناح طائرته..
وبقيت أنا أتصارع مع أحلامي وطموحاتي الضحلة.. حاولت نسيانها والتشاغل عنها.. والإقرار بأنها ما عادت لي.. ولكني فوجئت يوماً ما أن أختي تخبرني أن (المسكينة) مها طلقت من زوجها.. وصبت جام غضبها (كعادة الإناث) على زوجها الذي لم يكن يحبها ولا يدللها.. يسافر عنها كثيراً ويتركها وحيدة وهذا بالطبع مالا ترضاه مها التي عرف عنها دوماً أنها الرقم واحد في كل شيء..
وقررت المغامرة بأقل الخسائر.. أنا بإمكانياتي المتواضعة ومساعدة أبي وأعمامي وقروض من هنا وهناك..
وهي بوضعها كمطلقة خرجت من تجربة أليمة.. وكانت المفاجأة.. أن قبلت بي دون شرط.. وتم كل شيء بسرعة..
فإذا الحلم حقيقة.. وإذا مها زوجتي.. ومن أول ليلة.. كنت أكثر منها فرحة وارتباكاً.. بينما بدت هي كسيفة حزينة لأننا لم نقضي ليلتنا الأولى في أحد فنادق الخمس نجوم.. تغاضيت عن ذلك وحاولت تسليتها.. ولكني تعجبت.. لقد كانت نافرة مني بشكل واضح.. فقلت لعله خجل العروس وليته كان..
ومن صباح الغد.. دارت تتفرج على شقتنا.. وبدأت تقارنها بفيلتها السابقة وأنا أمشي خلفها وكأني أحترق من الداخل ولكنها لم تكن تشم رائحة احتراق إنسان يقبل الأرض التي تمشي عليها..
إن نظرت إلي زال عن قلبي كل ألم.. وإن ابتسمت – بعد جهد جهيد – رقصت الدنيا بين يدي..
واستمرت (أيام العسل) بنفس الأسلوب.. أرقب كل حركة وكل إشارة منها عسى أن تكون راضية عني.. وهي تمعن أكثر وأكثر في التقليل من شأني وتذكيري دوماً بتواضع راتبي وسيارتي وحتى شكلي وهندامي رغم محاولاتي المستميتة أن أبدو بأفضل حال أما عروسي وحبيبتي
لقد كانت كلماتها طعنات صغيرة تبكي قلبي العاشق لها.. ثم أصبحت طعناتها أقوى وأنفذ فهي تقارنني بزوجها السابق.. حتى بحديثه وأسلوبه وتفكيره.. وتسميني ابن القرية (القروي) وتضحك كثيراً حين نتناول عشاءنا ( الذي هلكت بتدبير مبلغه) في أحد المطاعم الفاخرة.. تضحك من عدم معرفتي بالأكلات الصينية والإيطالية والفرنسية وبعدم تناولي للطعام بالشوكة والسكين وعدم وعدم.. والقائمة تطول فكل ما فيَّ يبدو أنه لا يروق لها.. رغم أني أحاول تقبل الأمر بروح رياضية لعل وعسى أن تكف عن ذلك يوماً ما..
قالت لي ذات يوم:
– حمد بليز.. سأذهب اليوم لحفلة ماجدة صديقتي في فيلتهم.. أرجو أن تتدبر أمر إحضار أية سيارة تليق بالمكان فنحن سنضطر للدخول بالسيارة لأقصى القصر وسترى صديقاتي بالتأكيد سيارتك (الكشخة)..
ثم حاولت الضحك وافتعال المرح.. لكني كنت صامتا أحدق فيها بألم..
فقلت:
– وهل من العيب أن ترى صديقاتك زوجك؟ وسيارته المتواضعة؟
فتلعثمت وبدا عليها الضيق ثم قالت:
– امممم.. في الحقيقة لا أرغب في تعليقات لا داعي لها.. العام الماضي عندما حضرت الحفلة مع زياد بسيارته الفارهة..
قاطعتها بغيظ قائلاً:
– كنت مفتخرة به.
فصمتت.. ونظرت لي متحدية وقالت:
– وهل يضايقك..؟
قلت وأنا أصرّ على أسناني..
– يضايقني تكرار هذا الأمر وأنت تعلمين كم هو مزعج بالنسبة لي..
فشمخت برأسها بتعال وغرور واضحين وقالت.. :
– لعلمك.. عندما ذهب بي إليها في العام الماضي.. أعطاني طقماً فاخراً وبوكيه ورد وقال اشتريته هدية لصديقتك على ذوقي ومتأسف لذلك ولكني أحببت مفاجأتك وأنا الآن سأذهب لها خالية اليدين لأن حضرتك لم تستلم (القرشين) من عملك..
واسترخت على الكنبة وكأنها أزاحت عن صدرها ثقلاً..
فقلت وأنا ابتسم ابتسامة صفراء حزينة..
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#115082#post1662359
– (القرشين) هي التي جعلت أحلامي حقيقة.. وأنا أحمد ربي وأشكره على كل حال..
فانفجرت بوجهي ثائرة.. حتى أني احتضنت الوسادة الصغيرة وهي في ثورة غضبها أراقبها مشدوهاً..
انطلق من فمها كلام كالرصاص.. وهي تتحدث بلا وعي..
– خلاص.. قرفت.. كرهت هذه العيشة.. أنت وبيتك وعملك وأهلك وتصرفاتك وكل شيء فيك ممل قاتل.. ما لذي ضربني على أم رأسي وتركت زياد وعزه ونعيمه لأتزوجك.. لأنه فقط مشغول برحلاته.. يا لبلاهتي..! وأنت..
والتفتت إلي..
أنت.. أتعلم؟ تزوجتك فقط لأغيظه.. ليعرف زياد أني لن أبقى بعده مطلقة في بيت أهلي بل أحببت أن يعرف أن الكل يتمناني..
والآن.. انتهت اللعبة.. ولا أستطيع الاحتمال أكثر.. ولا التمثيل أكثر..
ثم رمت بوجهي قنبلتها قائلة:
– طلقني..!
فو الله ما نبست ببنت شفة.. بقيت أنظر إليها مشدوهاً متألماً.. وكأني على أحد مقاعد السينما أشاهد فيلماً كتبت أنا قصته وأحداثه وأخرجته ببلاهتي وضعفي وحبي الخائر لمها..
فتكشف لي بوضوح ( بعد انتهاء العرض) كل شيء كان غائباً عني.. ابتعاد أهلي عني بسبب سوء طباع زوجتي.. انعزالي رغم أني إنسان اجتماعي عن أصدقائي لأجل إرضائها والبقاء بجانبها دوما كما تحب.. تذكرت قلة مواردي.. كثرة ديوني.. وحتى نقصان وزني وآلام القولون التي تعتصرني لكثرة تفكيري بتدبير أسباب السعادة.. لحبيبتي..!
وهل هذا هو الحب؟ أو شقاء..؟ أم راحة وألفة ومودة ورحمة..؟
فآه من حبها المشقي المؤلم المزيف.. الذي اعتمد بالدَّرجة الأولى على قشور ومظاهر خدعتني..
فإذا جمال الروح هو الجمال الذي أرجوه وأطلبه.. وإذا مها الآن التي كانت أجمل البنات في عيني إذا هي أقبح من وقعت عليها روحي..
فوالله ما استمتعت معها بلحظة صفاء.. ولا كلمة حب.. ولا لمسة حنان..
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#showthread.php?p=1662359
ولكني اشتريت حرية قلبي.. وحياتي.. بكلمة رميتها بوجهها وودعتها للأبد.. داعياً الله أن يسار عليها ويوفقها بعيداً عني..
– مها أنت طالق..!
سئلت أعرابية: ما الهوى؟
قالت:
هو: "الهوان" قد غلط في اسمه
ع الطرح لاعدمناك