الخيال الإنساني ملكة عظيمة القدر، رفيعة القيمة، قوية الأثر، شديدة التأثير.
والخيال هو الخطوة الأولى في حركة هذا الإنسان، عبر منظومة مراحل الشعور. فهو الذي يولّد الوجدان، والوجدان هو الذي يوجد النزوع. والنزوع هو الذي ينتج الفعل. وهذه المنظومة هي أساس نشأة الإنسان، ولكل شيء نشأة، ولكل أمر فعل في هذه الحياة الدنيا.
فغزو الفضاء بدأ بفيلم خيالي من أفلام الكارتون، ثمّ صار وجداناً في عقل مفكر, ثمّ تطور إلى نزوع تمخض عن خطة محكمة، ثمّ صارت الخطة فعلاً إبداعياً باهراً لناس.. وهذا ما حصل بالضبط لكل المخترعين، إبتداءً بالطائرات وإنتهاءً بالموبايل، والبقية تأتي وتستمر.
(… حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا…) (يونس/ 24).
وهكذا هي الحياة الزوجية.. فهي حياة تداعب خيال الذكور والإناث منذ الخامسة عشرة من أعمارهم، وهي حياة تتفاوت أهميتها وقيمتها بتفاوت قوة الخيال عند هذا الغلام أو تلك الفتاة، ولكنها في الجملة حياة ناعمة، لذيذة ومريحة، تحفل بساعات الصفو والدعة، وتحتفل بالمناسبات السعيدة ما بين أفراح الميلاد، وبهجة الأعياد، وأنس الأصدقاء، ورجاهة الضيوف، وفرحة الهدايا، وعطر الحب، وعبير المودة، وأريج الحنان والأمان والإحسان.
وأول الخيال النظر ثمّ العشق، ثمّ أفعال عديدة قبل أن يكون المحبان زوجين تحت سقف واحد. فالحياة الزوجية هي أوّل خيالات الصبيان والصبايا، من إيحاءات البيئة، وتشابك الأسرة، ونضج الغريزة. وهذا النوع من الخيال يطلق اللسان، ويفتح عقل البليد ويد البخيل، ويبعث على التلطف وتحسين اللباس، وتطييب المطعم، ويدعو إلى الحركة والذكاء. ومنذ هذا الخيال يرسم الشباب من *****ين صورة مشرقة للزوجية. فهي عندهم أنس دائم، وحياة هانئة، وساعات لا تعرف الملل، ورفيق حسن المعشر، وحبيب كامل الأوصاف.
وتزداد اللهفة عندما تتم الخطوبة ويعقد المهر ويكتب الكتاب، وتتصاعد وتيرة الشوق في إنتظار يوم الزفاف أو أوهام شهر العسل، الذي نادراً ما يبلغ تمام الشهر، حتى تأخذ الحقيقة مكانها وسط هذا الكم الهائل من الخيال، وإذا بالزوجية حقيقة ماثلة للعيان، الخيال فيها يتراجع والحقيقة تتقدم، فارضة نفسها، حين يتكشف المشهد عن جهد يضني، ودأب يتعب، ومشقة تتزايد مع كل طفل، وتتضاعف مع كل حدث. فالأب في هم دائم للمعيشة. لذا جاء في الخبر: "إن من الذنوب ذنوباً لا يغفرها إلاّ الهم للمعيشة".
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#129721#post1825474
والهم يخترق الجسم نحافة **** ويشيب ناصية الصبي ويورم
والأُم في تعب يأكل نفسها وأنسها، من حمل وولادة وإرضاع وتربية وتعليم ومحافظة ومراقبة، من ساعة ما يقوم إلى ساعة ما ينام مرّة أخرى. فهي بين وَه ووهن، وكره وكره (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا…) (الأحقاف/ 15).
وينسى الزوجان أنهما كانا زوجين حبيبين قبل أن يكونا أبوين، قرنهما الله عزّ وجلّ بعبادته (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا…) (الإسراء/ 23). وما هذه المرتبة المقدسة التي وهبها الله للوالدين إلا لما يعانيان من انقلابهما أبوين مجاهدين، بعد أن كان حبيبين سعيدين.
وقبل هذا وبعد ذاك، فإنّ الزوجة الحالمة تستفيق على زوج لم تألفه ولم تعرفه من قبل، وما أكثر ما فيه من عادات لا تحبها، وطبائع لا تستسيغها، وتصرفات لا ترتاح لها، ومع ذلك هي صابرة ومثابرة على إرضائه وخدمته والإخلاص له.
وعلى هذا النسق، فإنّ مرحلة الخيال في الزوجية قصيرة، وحياة الشقاء والبذل والسهر والمعاناة دائمة مستمرة، مادامت الحياة وامتد العمر.
لذا، وجب على الأبناء معرفة حق الآباء، الذين نسو بهجة الزوجية وخيالاتها في غمرة الغرق في لجة الأبوة والأمومة وحقيقتها وأعبائها.
في حياتهم وبعد الممات..ربي يرحم والدي ويطول بعمر والدتي
موضوع راااق لي
بو غالب كل الشكر لك ولجهودك المميزة بطرح المواضيع الهادفة والمفيدة
يعطيك ربي الف عافية