شكل (4) رسم ثلاثي الأبعاد للنسيج الكوني، وهذا هو شكل الكون قبل 13 بليون سنة، أي عندما كان عمر الكون 2 بليون سنة، ونرى فيه التجمعات المجرية تتوضع كالخيوط المحبوكة في النسيج، وتأمل قوله تعالى: (والسماءِ ذاتِ الحُبُك).
حقائق علمية يقينية
والآن ينبغي علينا أن نتعرّف على الكيفية التي جعلت علماء الفلك يجزمون بهذا النسيج، بل ويجمعون على ذلك. وتبدأ القصة عندما بدأ علماء الكون برسم خرائط للنجوم والمجرات ولاحظوا وجود مناطق تتجمع فيها هذه المجرات بما يسمى عناقيد المجرات galaxy clusters ووجدوا بأن هذا الكون يحوي أكثر من مئتي ألف مليون مجرة!
شكل (5) مجرة تضم مئات البلايين من النجوم، هذه المجرة يوجد منها في كوننا المرئي عدة مئات من البلايين، وعلى الرغم من ضخامة هذا العدد إلا أنه لا يشكل إلا أقل من 5 بالمئة من الكون! فكم هي قدرة الله تعالى الذي خلق كل هذه المجرات؟
وعندما توفرت إمكانية الحسابات الضخمة باستخدام السوبر كومبيوتر فكَّر العلماء بإدخال جميع المعلومات اللازمة إلى هذا الكومبيوتر العملاق والتي تتضمن بيانات رقمية حول موقع المجرة وبعدها عنا بالسنوات الضوئية وشدة إشعاعها، بالإضافة إلى معلومات حول التجمعات المجرية الضخمة ومعلومات أخرى تشمل أكثر من مليون مجرة.
وعندما نفّذ الكومبيوتر العمليات الرقمية كانت الصورة الناتجة تشبه النسيج، وهذا ما جعل العلماء مباشرة يطلقون عليها اسم النسيج الكوني cosmic web .
شكل (6) تأمل كيف أن هذا النسيج يتألف من خيوط متباعدة بما يناسب قوله تعالى: (كانتا رتقاً ففتقناهما)، ويقول العلماء إن هذا النسيج كان قطعة واحدة لا يوجد فيها أية فراغات وذلك في بداية خلق الكون أثناء الانفجار الكبير big bang ثم تباعدت أجزاؤه عن بعضها .
المجرات كاللآلئ التي تزين الكون!
والآن تأمل معي هذه الصورة للنسيج الكوني، والطريقة التي نسج الله تعالى بقدرته هذه المجرات وجعلها بناءً محكماً يزين السماء.
شكل (7) صورة الكون وتبدو المجرات كاللآلئ التي تزين العقد! وهذه الصورة موجودة على الرابط: [IMG]http://www.gsfc.nasa.gov/topstory/20020812gamma[/url] وهي صورة معقدة جداً للنسيج الكوني تُظهر تماماً البناء الكوني المُحكم وزينته.
[url]http://55a.net/firas/photo/91244a7.jpg[/IMG]
إن هذه الصورة عندما رآها العلماء قالوا بالحرف الواحد: "Galaxies slowly form along the filaments like pearls on a string".
"إن المجرات تتشكل ببطء على طول الخيوط كاللآلئ على العقد".
وتأمل أخي المؤمن كيف سبق القرآن هؤلاء العلماء في الحديث عن زينة السماء، بل وخاطبهم بها! يقول تعالى: (أفلم يَنْظُرُوا إلى السَّماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا) . هذا الموضوع سيكون عنوان بحثنا القادم بإذن الله تعالى لنرى فيه كيف بدأ علماء الغرب باستخدام التعابير القرآنية بحرفيتها، مثل كلمة (بناء) building الواردة في قوله تعالى: (والسّماءَ بناءً) .
نتائج البحث ووجه الإعجاز
1- بما أن جميع المفسرين وجميع علماء اللغة يُجمعون في تفسيرهم على أن أصل كلمة (الحُبُك) جاء من النسيج المحبوك، فيكون القرآن بذلك هو أول كتاب تحدث عن هذا النسيج الكوني وربطه بالسماء في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) . وفصَّل القول عن الآلية الهندسية التي جعلت هذا الرتق المنسوج ينفتق وينشق في قوله تعالى مخاطباً الكفار بما سيرونه بأعينهم: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْناهُمَا)؟ .
2- ومن النتائج المهمة لهذا البحث وجود إشارة واضحة في هذه الآية إلى أن ما نراه الآن في الكون من مجرات لايمثل شكلها اليوم، بل هو الشكل الذي كانت عليه في الماضي (12)، في قوله تعالى في هذه الآية : (كانَتَا): أي في الماضي. وهذا سبق علمي للقرآن في الحديث عما يسميه العلماء اليوم early universe. أي الكون في مراحله المبكرة.
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#21749#post207908
3- الكلمات التي يستخدمها القرآن دقيقة جداً من الناحية العلمية، والدليل على ذلك أن علماء الفلك في القرن 21 بدأوا يستخدمون نفس الكلمات القرآنية في أبحاثهم. فكلمة (الحبك) وكلمة (رتقاً) وكلمة (ففتقناهما) جميعها تحمل إشارة مباشرة للنسيج المحبوك، والعلماء يستخدمون هذا الاسم للتعبير عن الكون، أي النسيج الكوني.
4- أكدت الآية أن الذين سيرون هذا الرتق الكوني هم من الكفار الذين لا يؤمنون بالقرآن فوجّهت الخطاب لهم: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وهنا نتساءل من جديد ونطرح سؤالاً على كل من يظن أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم:
كيف استطاع هذا النبي الأميّ عليه صلوات الله وسلامه أن يتنبّأ بأنه سيأتي أناس بعده بألف وأربع مئة سنة وهم من غير المؤمنين وأنهم سيكتشفون بنية الكون النسيجية، وأنهم سيرون خيوط هذا النسيج الكوني؟ بل لو كان محمد صلى الله عليه وسلم هو من لفّق هذه الآيات فلماذا لم ينسب هذا الاكتشاف العظيم لنفسه أو لقومه، بل نسبه لأعداء الإسلام؟؟؟
وأخيراً
لو توجهنا اليوم بسؤال لهؤلاء العلماء الذين اكتشفوا هذا النسيج المعقد، وصرفوا بلايين الدولارات في سبيل رسم هذه الصورة الكونية، وقلنا لهم:
ما رأيكم أن الشيء الذي تكتشفونه في القرن الحادي والعشرين، قد تحدث عنه كتاب موجود منذ القرن السابع الميلادي!
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#showthread.php?p=207908
إنهم سيسارعون للقول بأن ذلك سيكون مستحيلاً، والسبب هو أن التنبؤ بوجود بنية نسيجية للكون والحديث عن الرتق والفتق، يحتاج إلى عدسات مكبرة ومراصد تتوضع في مختلف أنحاء العالم، ويحتاج لآلاف الباحثين لرسم خرائط لملايين المجرات، وتحديد أماكنها وتحليل أطيافها. وسوف يتطلَّب ذلك وجود أجهزة سوبر كومبيوتر عملاقة، وإلى تكاليف باهظة. وهذه الإمكانيات لم تتوفر إلا في نهاية القرن العشرين، فأنى لبشرٍ أن يتنبَّأ بنسيج كهذا؟؟
ونقول لهم نعم! إن قولكم صحيح لو كان القرآن من صنع بشر، ولكن هذا القرآن هو كلام ربّ البشر تبارك وتعالى! فهل تخشع قلوبكم أمام هذه المعجزة التي هي دليل مادي على صدق كتاب الله عز وجل وصدق رسالة الإسلام؟ إذن استمعوا معي إلى هذا البيان الإلهي:
وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
الهوامش
(1) هذا هو الإمام القرطبي رحمه الله تعالى قد توسَّع في تفسيره فعدّد سبعة معاني لكلمة (الحُبُك) الواردة في قوله تعالى: (والسماء ذات الحبك). فهو يقول: وفي (الحُبُك) أقوالٌ سبعة : الأول قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: الخَلْق الحسن المستوي، وقاله عكرمة قال: ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه ، يقال منه حبك الثوب يحبِكه حبكا، أي أجاد نسجه. قال ابن الأعرابي كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد احتبكته.
والثاني : ذات الزينة، قاله الحسن وسعيد بن جبير. وعن الحسن أيضا: ذات النجوم وهو الثالث . الرابع قول الفراء: (الحُبُك) تكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة والماء القائم إذا مرت به الريح. الخامس: ذات الشدة، قاله ابن زيد وقرأ: (وبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً). والمحبوك الشديد الخلق من الفرس وغيره.
وفي الحديث: أن عائشة رضي الله عنها كانت تحتبك تحت الدرع في الصلاة أي تشد الإزار وتحكمه. السادس: ذات الصفاقة قاله خصيف ومنه ثوب صفيق ووجه صفيق بيِّن الصفاقة. السابع : أن المراد بالطرق المجرة التي في السماء سميت بذلك لأنها كأثر المجر.
(2) انظر المقالة المنشورة عام 2001 حول اكتشاف عالم الفلك بول ميلر وزملاؤه النسيج الكوني على موقع المرصد الأوروبي الجنوبي:
http://www.eso.org/outreach/press-re…/pr-11-01
(3) انظر معجم لسان العرب وغيره من المعاجم اللغوية الشهيرة في معنى كلمة (حَبَكَ).
(4) لقد تمت عملية حاسوبية هي الأضخم من نوعها في القرن العشرين، بهدف الإجابة عن سؤال: كيف كان شكل الكون في الماضي، وقد نفذ هذه التجربة فريق من العلماء في مرصد ماكس بلانك، وانظر الرابط:
http://www.mpa-garching.mpg.de/~jgc/hubble_public
(5) انظر مقالة بعنوان: "اكتشاف الخيوط الكونية باستخدام نموذج كاندي"!
Detection of cosmic filaments using the Candy model
والمنشورة بتاريخ 29 آذار (مارس) 2024 على الرابط:
http://www.edpsciences.org/articles/…09/aa2409