وبعد:
قال الله تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" (الأنعام/82).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده، ولم يشركوا به شيئًا: هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة.
والظلم هنا في هذه الآية ما يقابل الإيمان، وهو الشرك، فعن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" شقَّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا أيُّنا لم يظلم نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) (رواه الشيخان).
والظلم أنواع:
1-أظلم الظلم، وهو الشرك في حق الله تعالى.
2-ظلم الإنسان نفسه، فلا يعطيها حقها، مثل أن يصوم فلا يفطر، ويقوم الليل فلا ينام.
3-ظلم الإنسان غيره، مثل أن يتعدَّى على شخص بالضرب أو القتل أو أخذ مال، أو غير ذلك
فمن سَلِمَ من هذه الأنواع الثلاثة، كان له الأمن التام والاهتداء التام في الدنيا والآخرة.
فأما الأمن التام فيكون بالسلامة من الذنوب والمعاصي، فإن لم يسلم من الذنوب والمعاصي كان الأمن ناقصًا.
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#43184#post514396
مثال ذلك: مرتكب الكبيرة، آمن من الخلود في النار، وغير آمن من العذاب، بل هو تحت المشيئة، قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفرُ ما دون ذلك لمن يشاء" (النساء/116).
وأما الهداية في الدنيا فتكون بالاهتداء إلى شرع الله بالعلم والعمل، وتكون في الآخرة بالاهتداء إلى الجنة.
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل (متفق عليه).
وتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله أمر في غاية الصعوبة، ولهذا قال بعض السلف " كل معصية، فهي نوع من الشرك"، وقال بعضهم أيضًا: "ما جاهدت نفسي على شئ مجاهدتها على الإخلاص"، ولا يعرف هذا إلا المؤمن، أما غير المؤمن، فلا يجاهد نفسه على الإخلاص، ولهذا قيل لابن عباس: "إن اليهود يقولون: نحن لا نوسوس في الصلاة، قال: فما يصنع الشيطان بقلب خرب"، وذلك لأن الشيطان لا يأتي ليخرِّب المهدوم، ولكن يأتي ليخرِّب المعمور.
كما أنه يجب على كل مسلم أن يحقق الشهادة بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله، ويكون بأن نعتقد ذلك بقلوبنا، ونعترف به بألسنتنا، ونطبق ذلك في متابعته صلى الله عليه وسلم بجوارحنا، فنعمل بهدية، ويكون عملنا لله جلَّ وعلا وليس للنبي صلى الله عليه وسلم.
أما ما ينقص تحقيق هذه الشهادة فهو:
1-فعل المعاصي، وذلك لأن في فعل المعصية خروج عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
2-الابتداع في الدين ما ليس منه، لأن في ذلك تقرب إلى الله بما لم يشرعه الله ورسوله.
وفي هذا الحديث فائدة عظيمة وفضل عظيم، إذ يُبيِّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله جل وعلا يُدخل الموحِّدين الجنة على ما كان من العمل، وإدخال الجنة ينقسم إلى قسمين:
1-إدخال كامل لم يُسبق بعذاب لمن أتمَّ العمل.
2-إدخال ناقص مسبوق بعذاب لمن نقص العمل.
وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: يا أبن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا: لأتيتك بقرابها مغفرة".
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" (رواه الشيخان).
الموضوع الأصلى من هنا: http://bayt.el-emarat.com/#showthread.php?p=514396
ولكلمة التوحيد أثر عظيم عند الموت:
يقول ابن القيم رحمه الله: لِشهادة أن لا إله إلا الله عند الموت تأثير عظيم في تكفير السيئات وإحباطها، لأنها شهادة من عبد موقن بها، عارف بمضمونها، قد ماتت منه الشهوات، ولانت نفسه المتمردة، وانقادت بعد إبائها واستعصائها، وأقبلت بعد إعراضها، وذلَّت بعد عزِّها، وخرج منها حرصها على الدنيا وفضولها، واستخذت بين يدي ربها وفاطرها ومولاها الحق أذلَّ ما كانت له وأرجى ما كانت لعَفوه ومغفرته ورحمته، وتجرد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وتحقق بطلانه، فزالت منها تلك المنازعات التي كانت مشغولة بها، واجتمع همها على من أيقنت بالقدوم عليه والمصير إليه، فَوَجَّه العبد وَجْهَهُ بِكلِّيَّتِه إليه، وأقبل بقلبه وروحه وهمِّه عليه، فاستسلم له وحده ظاهرًا وباطنًا، واستوى سره وعلانيته، فقال: لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه، وقد تخلص قلبه من التعلق بغيره والالتفات إلى ما سواه، قد خرجت الدنيا كلها من قلبه، وشارف القدوم على ربه، وخمدت نيران شهوته، وامتلأ قلبه من الآخرة، فصارت نصب عينيه، وصارت الدنيا وراء ظهره، فكانت تلك الشهادة الخالصة خاتمة عمله، فطهَّرته من ذنوبه، وأدخلته على ربه، لأنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة، وافق ظاهرها باطنها وسرها علانيتها.
فلو حصلت له الشهادة على هذا الوجه في أيام الصحة، لاستوحش من الدنيا وأهلها، وفرَّ إلى الله من الناس، وأنس به دون ما سواه، لكنه شهد بها بقلب مشحون بالشهوات، وحب الحياة وأسبابها، ونفس مملوءة بطلب الحظوظ والالتفات إلى غير الله، فلو تجردت كتجردها عند الموت لكان لها نبأ آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمي.
وأقوال أهل العلم في ذلك أكثر من أن تُحصى، ولذلك فإنه يجب على كل مسلم أن يتقي الله عز وجل، وأن يعلم أن الله كما أنه غفورٌ رحيم، فهو جل وعلا شديد العقاب، كما قال سبحانه "نبِّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم"(الحجر/49-50)
هذا والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقلم/علي حسين الفيلكاوي
*·~-.¸¸,.-~* م ن ق وووووووووووووووولوجزاك الله خيرا على الموضوع القيم
وجعله فى ميزان حسناتك
فى انتظار جديد لك معنا
دمت بحفظ الرحمن
ولاحرمنا حضوركم بكل جديد ومميز دوماً
تقديري لكم
والله سبحانه أرسل الرسل من أجل التوحيد .. اللذي هو حق الله على العبيد ..
يعطيك العافيه
عبووووره